فمن هذه الوفود1 وفد عبد القيس2، وكان من خبرهم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان جالسًا بين أصحابه يوما فقال لهم: "سيطلع عليكم من هنا ركب من أهل المشرق، لم يكرهوا على الإسلام، قد أنضوا الركائب3 وأفنوا الزاد، اللهم اغفر لعبد القيس". فلما أتوا ورأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- رموا بأنفسهم عن الركائب بباب المسجد، وتبادروا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسلمون عليه.
فقال -صلى الله عليه وسلم: "مرحبًا بالقوم غير خزايا ولا ندامى" 4.
فقالوا: يا رسول الله إنا نأتيك من شقة بعيدة، وإنه يحول بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر فصل.
فقال: "آمركم بالإيمان. أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس، وأنهاكم عن الدنيا والحنتم والنقير والمزفت".
والمراد هنا النهي عن شرب الأنبذة التي توضع في هذه الأوعية كما جرت عادتهم بذلك، فقال أحدهم واسمه الأشج: يا رسول الله إن أرضنا ثقيلة وخمة، وإننا إذا لم نشرب هذه الأشربة عظمت بطوننا، فرخص لنا في مثل هذه، وأشار إلي يده، وهو يقصد أن يرخص الرسول -صلى الله عليه وسلم- في شرب القليل منها.