بهم خصاصة1.

ولا غرو فقد شعروا بحاجة إخوانهم المهاجرين، وقدروا ظروفهم العصيبة، فأوَوْهُم ونصروهم، وضربوا في الإخلاص لهم والتفاني في خدمتهم أروع الأمثال، حتى لقد وصفهم الله -عز وجل- بذلك الوصف الرائع حيث يقول: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} 2، أي يفضلون إخوانهم المهاجرين على أنفسهم، مهما كان فقرهم، ومهما اشتدت حاجتهم.

وكانت سياسة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذه الظروف القاسية سياسة القائد المحنك الرشيد، فقد عمل على تنظيم صفوف المسلمين وتوكيد وحدتهم، فربط بينهم برباط قوي متين، وذلك أنه عقد تلك الأخوة النادرة المثال بين الأنصار والمهاجرين، وجعل لها من الحقوق والواجبات ما لأخوة النسب3، فكان أبو بكر الصديق أخا لخارجة بن زهير الأنصاري، وكان أبو عبيدة بن الجراح أخا لسعد بن معاذ الأنصاري، وكان عبد الرحمن بن عوف أخا لسعد بن الربيع الأنصاري، وكان عثمان أخا لأوس بن ثابت الأنصاري4.. وهكذا أصبح المهاجرون والأنصار بنعمة الله إخوانا. وقد أظهر الأنصار من الكرم والتسامح ما خفف عنهم آلام الغربة، وعوَّضهم عن فراق الأهل والعشيرة، حتى ليروى أن سعد بن الربيع الأنصاري عرض عليه أخيه عبد الرحمن بن عوف -وكان لا يملك بيثرب شيئا- أن يشاطره ماله5، فأبى عبد الرحمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015