وقد بدأ القائد الحبشي في بلاد اليمن -ويسمى أبرهة الأشرم- ببناء كنيسة سماها القُلَّيْس وبذل لها ما استطاعه من العناية. حتى إنه نقل إليها من قصر بلقيس أعمدة من الرخام المجزع، والحجارة المنقوشة بالذهب، ونصب فيها صلبانًا من الذهب والفضة، ومنابر من العاج والأبنوس، ودعا الناس إلى الحج إليها1.
فغضب العرب وثار رجل من بني مالك بن كنانة وأقسم ليعبثن بهذه الكنيسة، وقدم إلى اليمن ودخل الكنيسة كأنه متعبد حتى إذا جاء الليل وخلا المكان قام يعبث بأثاث الكنيسة ويلطخ جدرانها بالقاذورات2، ولما علم أبرهة في الصباح بما أصاب كنيسته وعرف أن أعرابيًّا كان يبيت بها وأنه المتهم بالعبث ببنائه المقدس، أقسم ليهدمن الكعبة، وجهز لذلك العدة والعديد3 والبأس الشديد..
وأقبل جيش الحبشة من اليمن فأشرف على مكة بعد أن تخطى إليها التلال والنجاد، والهضاب والوهاد، والصحراء القاسية المترامية، وبعد أن كاد يضل في شعاب الجزيرة الشائكة ومسالكها المشتبكة، ثم استقر بمكان قريب من مكة