هناك خلاف بين أهل العلم نحو مس المصحف وعدمه؛ لقول الله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة: 79]. يعنى: الملائكة. قاله ابن عباس وأنس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم.
وروى ابن جرير عن قتادة: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ قال: لا يمسه عند الله إلا المطهرون، فأما فى الدنيا يمسه المجوس النجس والمنافق الرجس (?). وقال أبو العالية:
لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ: ليس أنتم، أنتم أصحاب الذنوب (1). وقال ابن زيد:
زعمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزّلت به الشياطين، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون، كما قال تعالى: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ. وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ. إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ
[الشعراء: 210 - 212]. وهذا القول جيد، وهو لا يخرج عن الأقوال التى قبله.
وقال آخرون: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ: أى من الجنابة والحدث، وهى الطهارة ولفظ الآية خبر، ومعناها الطلب، قالوا: والمراد بالقرآن المصحف؛ بدليل ما رواه مسلم عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو (?). واحتجوا فى ذلك بما رواه الإمام مالك فى موطئه عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن فى الكتاب الذى كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلّم لعمرو بن حزم ألا يمس القرآن إلّا طاهر (?).
وروى أبو داود فى المراسيل من حديث الزهرى قال: قرأت فى صحيفة عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «ولا يمسّ القرآن إلا طاهر» (?)، وهذه وجادة جيدة قد قرأها الزهرى، ومثل هذا ينبغى الأخذ به.