ولمسلم: «وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه» .
فيه مسائل: الأولى: النهي عن الاستثناء في الدعاء.
الثانية: بيان العلة في ذلك.
الثالثة: قوله: «ليعزم المسألة» .
الرابعة: إعظام الرغبة.
الخامسة: التعليل لهذا الأمر.
باب قول اللهم اغفر لي إن شئت الأمور كلها وإن كانت بمشيئة الله وإرادته، فالمطالب الدينية كسؤال الرحمة والمغفرة، والمطالب الدنيوية المعينة على الدين كسؤال العافية والرزق وتوابع ذلك، قد أمر العبد أن يسألها من ربه طلبا ملحا جازما، وهذا الطلب عين العبودية ومخها.
ولا يتم ذلك إلا بالطلب الجازم الذي ليس فيه تعليق بالمشيئة، لأنه مأمور به، وهو خير محض لا ضرر فيه، والله تعالى لا يتعاظمه شيء.
وبهذا يظهر الفرق بين هذا وبين سؤال بعض المطالب المعينة التي لا يتحقق مصلحتها ومنفعتها، ولا يجزم أن حصولها خير للعبد. فالعبد يسأل ربه ويعلقه على اختيار ربه له أصلح الأمرين، كالدعاء المأثور: " اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي ". وكدعاء الاستخارة.
فافهم هذا الفرق اللطيف البديع بين طلب الأمور النافعة المعلوم نفعها وعدم ضررها، وأن الداعي يجزم بطلبها ولا يعلقها، وبين طلب الأمور التي لا يدري العبد عن عواقبها، ولا رجحان نفعها على ضرها، فالداعي يعلقهما على اختيار ربه الذي أحاط بكل شيء علما وقدرة ورحمة ولطفا.