أضداد هَذِه الثَّلَاثَة فضد الزّهْد الْحِرْص وضد الْوَرع كسب المَال من غير وَجهه وضد الْإِنْفَاق الْبُخْل وَيجمع كل وَاحِد مَعَ ضِدّه فِي فُصُول (الْفَصْل الأول) فِي الزّهْد وَمَعْنَاهُ قلَّة الرَّغْبَة فِي المَال أَو عدمهَا وَخُرُوج حب الدُّنْيَا من الْقلب والزهد الْكَامِل هُوَ الزّهْد فِي جَمِيع الحظوظ الدُّنْيَوِيَّة من الجاه وَالْمَال والتعظيم والمدح وشهرة الذّكر والتنعم بِطيب المأكل والملبس وفضول الْعَيْش وَغير ذَلِك وَلَيْسَ الزّهْد بترك الْحَلَال وَلَا إِضَاعَة المَال فقد يكون الْغَنِيّ زاهدا إِذا كَانَ قلبه مفرغا عَن الدُّنْيَا وَقد يكون الْفَقِير دنيويا إِذا اشْتَدَّ حرصه وَكَانَ معمور الْقلب بالدنيا مَسْأَلَة اخْتلفت النَّاس فِي المفاضلة بَين الْفقر والغنى فَذهب أَكثر الْفُقَهَاء إِلَى أَن الْغنى أفضل وَاسْتَدَلُّوا بِأَن الْغَنِيّ يقدر على أَعمال صَالِحَة وَلَا يقدر عَلَيْهَا الْفَقِير كالصدقة وَالْعِتْق وَبِنَاء الْمَسَاجِد وَذهب أَكثر الصُّوفِيَّة إِلَى أَن الْفَقِير أفضل وَاسْتَدَلُّوا بنصوص فِي هَذَا الْمَعْنى وَلَا يَصح التَّفْضِيل إِلَّا بعد تَفْصِيل وَهُوَ أَن من كَانَ يقوم بِحُقُوق الله فِي الْغنى وَلَا يقوم فِي الْفقر فالغنى أفضل لَهُ اتِّفَاقًا وَمن كَانَ بِالْعَكْسِ فالفقر أفضل لَهُ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا مَحل الْخلاف فِيمَن كَانَ يقوم بِحُقُوق الله فِي الْحَالَتَيْنِ والحقوق فِي الْغنى هُوَ أَدَاء الْوَاجِبَات والتطوع بالمندوبات وَالشُّكْر لله وَعدم الطغيان بِالْمَالِ والحقوق فِي الْفقر هِيَ الصَّبْر عَلَيْهِ والقناعة وَعدم التشوف للزِّيَادَة واليأس مِمَّا فِي أَيدي النَّاس وَللَّه در غَنِي شَاكر أَو فَقير صابر وَقَلِيل مَا هم (الْفَصْل الثَّانِي) فِي الْوَرع وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات ورع عَن الْحَرَام وَهُوَ وَاجِب وورع عَن الشُّبُهَات وَهُوَ متأكد وَإِن لم يجب وورع عَن الْحَلَال مَخَافَة الْوُقُوع فِي الْحَرَام وَهُوَ فَضِيلَة وَهُوَ ترك مَا لَا بَأْس بِهِ حذرا مِمَّا بِهِ الْبَأْس وَالْأَصْل فِي هَذَا الْبَاب قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين وَبَينهمَا أُمُور متشابهات لَا يعلمهُنَّ كثير من النَّاس فَمن اتَّقى الشُّبُهَات فقد اسْتَبْرَأَ لدينِهِ وَعرضه وَمن وَقع فِي الشُّبُهَات وَقع فِي الْحَرَام كَالرَّاعِي حول الْحمى يُوشك أَن يَقع فِيهِ إِلَى آخر الحَدِيث وَلذَلِك قيل أَن هَذَا الحَدِيث ربع الْعلم وَقيل ثلثه مَسْأَلَة فِي مُعَاملَة أَصْحَاب الْحَرَام وينقسم حَالهم قسمَيْنِ أَحدهمَا أَن يكون الْحَرَام قَائِما بِعَيْنِه عِنْد الْغَاصِب أَو السَّارِق أَو شبه ذَلِك فَلَا يحل شِرَاؤُهُ مِنْهُ وَلَا البيع بِهِ إِن كَانَ عينا وَلَا أكله إِن كَانَ طَعَاما وَلَا لبسه إِن كَانَ ثوبا وَلَا قبُول شَيْء من ذَلِك هبة وَلَا أَخذه فِي دين وَمن فعل شَيْئا من ذَلِك فَهُوَ كَالْغَاصِبِ وَالْقسم الثَّانِي أَن يكون الْحَرَام قد فَاتَ من يَده وَلزِمَ ذمَّته فَلهُ ثَلَاثَة أَحْوَال ((الْحَالة الأولى)) أَن يكون الْغَالِب على مَاله الْحَلَال فَأجَاز ابْن الْقَاسِم مُعَامَلَته وحرمها أصبغ ((وَالثَّانيَِة)) أَن يكون الغالبعلى مَاله الْحَرَام فتمنع مُعَامَلَته على وَجه الْكَرَاهَة عِنْد ابْن الْقَاسِم وَالتَّحْرِيم عِنْد أصبغ ((وَالثَّالِثَة)) أَن يكون مَاله كُله حَرَامًا فَإِن لم يكن لَهُ قطّ مَال حَلَال حرمت مُعَامَلَته وَإِن كَانَ لَهُ مَال حَلَال إِلَّا أَنه اكْتسب من الْحَرَام مَا أربى على مَاله واستغرق ذمَّته فَاخْتلف فِي جَوَاز مُعَامَلَته بِالْجَوَازِ وَالْمَنْع والتفرقة بَين مُعَامَلَته بعوض فَيجوز كَالْبيع وَبَين