فَبَقيَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْهِجْرَة عشر سِنِين حَتَّى بلغ رِسَالَة ربه وأكمل الله دينه فَقَبضهُ الله إِلَيْهِ بعد أَن خَيره بَين الْمَوْت والعيش فَاخْتَارَ لِقَاء الله فَمَرض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَي عشر يَوْمًا وَمَات يَوْم الْإِثْنَيْنِ الثَّانِي عشر من ربيع الأول عَام أحد عشر وَدفن لَيْلَة الْأَرْبَعَاء وَقيل يَوْم الثُّلَاثَاء بِبَيْت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة وَقيل ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ
أما خلقه فَكَانَ أحسن النَّاس وَجها أَزْهَر اللَّوْن مشبوها بحمرة رجل الشّعْر حسن الجمة أكحل الشّعْر لَيْسَ بالجعد القطط وَلَا بالسبط ربعَة وَلَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير أقنى الْأنف أدعج الْعَينَيْنِ حسن الثغر وَاسع الْفَم حسن الْعُنُق ضخم الْيَدَيْنِ وَاضح الصَّدْر كث اللِّحْيَة واسعها بَين كَتفيهِ خَاتم النبوءة وَأما خلقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجمع أكْرم الشَّمَائِل وَأعظم الْفَضَائِل فَمِنْهَا شرف النّسَب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحسن الصُّورَة وَقُوَّة الْحَواس ووفور الْعقل ودقة الْفَهم وَكَثْرَة الْعلم وفصاحة اللِّسَان والنطق بالحكمة وَكَثْرَة الْعِبَادَة والزهد وَالصَّبْر وَالشُّكْر والعفة وَالْعدْل وَالْحيَاء وَالْأَمَانَة والمروءة وَالْعَفو وَالِاحْتِمَال والشفقة وَالرَّحْمَة وَالْكَرم والشجاعة وَالْوَقار والصمت والمودة والتواضع والاقتصاد والحلم وَطيب النَّفس وسماحة الْوَجْه وَحسن المعاشرة وَصدق اللِّسَان وَالْوَفَاء بالعهود وَبِذَلِك المجهود فِي رضى المعبود والتزام آدَاب الْعُبُودِيَّة وَالْقِيَام بِحُقُوق الربوبية وَاحْتِمَال المشقات فِي جنب الله تَعَالَى وارتكاب الْأَهْوَال الْعِظَام فِي دُعَاء الْخلق إِلَى الله تَعَالَى ة وَشدَّة الْخَوْف مِنْهُ والرجاء فِيهِ والمراقبة لَهُ والتوكل عَلَيْهِ والانقطاع بِالْكُلِّيَّةِ إِلَيْهِ إِلَى غير ذَلِك مِمَّا تكل عَنهُ الأقلام وتعجز دونه الأفهام
فَمِنْهَا الْقُرْآن الْعَظِيم وَانْشَقَّ لَهُ الْقَمَر ونبع المَاء من بَين أَصَابِعه وفجر المَاء فِي عين تَبُوك وبئر الْحُدَيْبِيَة وَأَشْبع الْجمع الْكثير من الطَّعَام الْقَلِيل مرَارًا وحن إِلَيْهِ الْجذع وانقاد إِلَيْهِ الشّجر وَسلم عَلَيْهِ الْحجر وَمسح ضرع شَاة حَائِل فَدرت وصقط عين بعض أَصْحَابه فَردهَا فَكَانَت أحسن عَيْنِيَّة وتفل فِي عين عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَوْم خَيْبَر وَهُوَ أرمد فبرىء من حِينه وَأخْبر بِكَثِير من الغيوب فَوَقَعت على حسب مَا قَالَ وَهَذَا الْبَاب وَاسع جدا وَظَهَرت إِجَابَة دُعَائِهِ فِي أُمُور لَا تحصى وَإِنَّمَا ذكرنَا من معجزاته مَا نقل بالتواتر الَّذِي لَا شكّ فِيهِ ومعجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألف معْجزَة ظَاهِرَة وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى