(الْفَصْل الأول) فِي الْبر والحنث الْبر هُوَ الْمُوَافقَة لما حلف عَلَيْهِ والحنث مُخَالفَة مَا حلف عَلَيْهِ من نفي أَو إِثْبَات فَكل من حلف على ترك شَيْء أَو عَدمه فَهُوَ على بر حَتَّى يَقع مِنْهُ الْفِعْل فَيحنث وَمن حلف على الْإِقْدَام على فعل أَو وجوده فَهُوَ على حنث حَتَّى يَقع الْفِعْل فيبر ثمَّ إِن الْحِنْث فِي الْمَذْهَب يدْخل بِأَقَلّ الْوُجُوه وَالْبر لَا يكون إِلَّا بأكمل الْوُجُوه لمن حلف أَن يَأْكُل رغيفا لم يبر إِلَّا بِأَكْل جَمِيعه وَإِن حلف أَن لَا يَأْكُلهُ حنث بِأَكْل بعضه وَمن حلف أَن لَا يفعل فعلا فَفعله حنث سَوَاء فعله عمدا أَو سَهوا أَو جهلا إِلَّا إِن نسي فَفعل نَاسِيا فَاخْتَارَ السيوري وَابْن الْعَرَبِيّ أَنه لَا يَحْنَث وفَاقا للشَّافِعِيّ فَلَو فعله جهلا كَمَا لَو حلف أَن لَا يسلم على زيد فَسلم عَلَيْهِ فِي ظلمَة وَهُوَ لَا يعرفهُ حنث خلافًا للشَّافِعِيّ وَأما إِن أكره على الْفِعْل لم يَحْنَث كَمَا لَو حلف أَن لَا يدْخل دَارا فَأدْخلهَا قهرا لَكِن إِن قدر على الْخُرُوج فَلم يخرج حنث وَإِن حلف أَن يفعل شَيْئا فَتعذر عَلَيْهِ فعله فَلَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أوجه (الأول) أَن يمْتَنع لعدم الْمحل كمن حلف أَن يضْرب عَبده فَمَاتَ أَو أَن يذبح حمامة فطارت فَلَا حنث عَلَيْهِ إِن لم يفرط (الثَّانِي) أَن يمْتَنع شرعا كمن حلف ليطأن زَوجته فَوَجَدَهَا حَائِضًا فَإِن لم يَطَأهَا فَاخْتلف هَل يَحْنَث أم لَا وَإِن وَطئهَا فَقيل إِثْم وبر يَمِينه وَقيل لم يبر لِأَنَّهُ قصد وَطأهَا مُبَاحا (الثَّالِث) أَن يمْتَنع لمَانع غير ذَلِك كالسارق وَالْغَاصِب فَإِنَّهُ يَحْنَث عِنْد ابْن الْقَاسِم خلافًا لأَشْهَب (الْفَصْل الثَّانِي) فِيمَا تحمل عَلَيْهِ الْيَمين وَهِي أَرْبَعَة أُمُور (الأول) النِّيَّة إِذا كَانَت مِمَّا يصلح لَهَا اللَّفْظ سَوَاء كَانَت مُطَابقَة لَهُ أَو زَائِدَة فِيهِ أَو نَاقِصَة وَهِي بِالْقَلْبِ دون تَحْرِيك لِسَانه بِشَرْط أَن يعْقد عَلَيْهَا الْيَمين فَإِن استدركها بعد الْيَمين لم ينْتَفع بِهِ وَيعْتَبر فِي ذَلِك نِيَّة الْحَالِف إِلَّا فِي الدعاوي فَتعْتَبر نِيَّة المستحلف فِي الْمَشْهُور (الثَّانِي) السَّبَب المثير للْيَمِين وَهُوَ بِسَاط الْحَال وَبِه يسْتَدلّ على النِّيَّة إِذا غَابَتْ (الثَّالِث) الْعرف أَعنِي مَا قصد النَّاس من عرف إِيمَانهم (الرَّابِع) مُقْتَضى اللَّفْظ لُغَة وَشرعا وَفِي تَرْتِيب هَذِه الْأُمُور أَرْبَعَة أَقْوَال وَالْمَشْهُور أَن هَذِه الْأُمُور على مَا ذَكرْنَاهُ من التَّرْتِيب فَينْظر أَولا إِلَى النِّيَّة فَإِن عدمت نظر إِلَى الْبسَاط فَإِن عدم نظر إِلَى الْعرف فَإِن عدم نظر إِلَى مُقْتَضى اللَّفْظ وَقيل ينظر إِلَى النِّيَّة ثمَّ إِلَى مُقْتَضى اللَّفْظ وَلَا يعْتَبر الْبسَاط وَلَا الْعرف وَقيل ينظر إِلَى النِّيَّة ثمَّ إِلَى الْبسَاط ثمَّ إِلَى مُقْتَضى اللَّفْظ وَلَا يعْتَبر الْعرف وَقَالَ الشَّافِعِي يعْتَبر وضع اللَّفْظ لَا النِّيَّة وَلَا الْبسَاط قَالَ ابْن رشد وَهَذَا الْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْعرف وَالْمَقْصُود فِيهِ مظنونا أما مَا كَانَ فِيهِ مَعْلُوما فَلَا خلاف فِي اعْتِبَاره كَقَوْل الْقَائِل وَالله لأرين فلَانا النُّجُوم فِي القائلة والمعلوم أَنه أَرَادَ خلاف اللَّفْظ فَيحمل عَلَيْهِ وَيتَفَرَّع على هَذَا الأَصْل عشرُون فرعا ترجع كلهَا إِلَى مَا ذكرنَا (الْفَرْع الأول) من