ِ عَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَاهُ كَالْبَيْعِ اللَّازِمِ وَالرَّهْنِ اللَّازِمِ وَالْهِبَةِ اللَّازِمَةِ وَالصَّدَاقِ وَعِوَضِ الْخُلْعِ فَهَذِهِ الْعُقُودُ تَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، وَإِنَّمَا الْقَبْضُ فِيهَا مِنْ مُوجَبَاتِ عُقُودِهَا.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ مِنْ تَمَامِ الْعَقْدِ كَالْقَبْضِ فِي السَّلَمِ وَالرِّبَوِيَّاتِ وَفِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ عَلَى رِوَايَةٍ وَالْوَصِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ وَفِي بَيْعِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ أَيْضًا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، فَأَمَّا السَّلَمُ فَمَتَى تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ مَالِهِ بَطَلَ وَكَذَلِكَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ، وَأَمَّا الرَّهْنُ وَالْهِبَةُ فَهَلْ يُعْتَبَرُ الْقَبْضُ فِيهِمَا فِي جَمِيعِ الْأَعْيَانِ أَوْ فِي الْمُبْهَمِ غَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَمَّا الْوَقْفُ فَفِي لُزُومِهِ بِدُونِ إخْرَاجِ الْوَقْفِ عَنْ يَدِهِ رِوَايَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَهَلْ تَلْزَمُ بِالْقَبُولِ فِي الْمُبْهَمِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
وَاخْتَارَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ فِيهِ بِدُونِ قَبْضٍ، وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِدُونِ الْقَبْضِ مُطْلَقًا كَالْهِبَةِ، وَكَذَلِكَ حَكَى صَاحِبُ الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ وَجْهَيْنِ فِي رَدِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ لِلْوَقْفِ هَلْ يَبْطُلُ بِرَدِّهِ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَا يَلْزَمُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَأَمَّا الْمَبِيعُ الْمُبْهَمُ فَذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ بِدُونِ الْقَبْضِ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ [أَنَّهُ] لَازِمٌ مِنْ جِهَتِهِ [وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُشْتَرِي وَلَعَلَّهُ جَعَلَهُ غَيْرَ لَازِمٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِع] لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ بَعْدُ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّهُ لَازِمٌ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَصْحَابِ يَجْعَلُ الْقَبْضَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ مُعْتَبَرًا لِلُزُومِهَا وَاسْتِمْرَارِهَا لَا لِانْعِقَادِهَا وَإِنْشَائِهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ، وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَ الْقَبْضَ فِيهَا شَرْطًا لِلصِّحَّةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِيهِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالْهِبَةِ.
وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْهُوبِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْقَبْضِ وَفُرِّعَ عَلَيْهِ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْغُرُوبِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَالْعَبْدُ مَوْهُوبٌ لَمْ يَقْبِضْ ثُمَّ قَبَضَ وَقُلْنَا يُعْتَبَرُ فِي هِبَتِهِ الْقَبْضُ فَفُطْرَتُهُ عَلَى الْوَاهِبِ.
وَكَذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّ الْقَبْضَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْهِبَةِ كَالْإِيجَابِ فِي غَيْرِهَا وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَلَكِنَّ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الرَّهْنِ إلَّا أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ لِلُزُومِهِ، وَصَرَّحَ أَبُو بَكْرٍ بِأَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ وَأَنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ بِزَوَالِهِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَالشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
وَأَمَّا الْقَرْضُ وَالصَّدَقَةُ وَالزَّكَاةُ وَغَيْرُهَا فَفِيهَا طَرِيقَانِ إحْدَاهُمَا لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُجَرَّدِ