لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيعًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ مِنْ مَالِهِ فَيَكُونُ بِتَرْكِهِ مُفَرِّطًا فَيَنْتَقِلُ الضَّمَانُ إلَيْهِ وَيَشْهَدُ لَهُ شِرَاءُ الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ فَإِنَّ الضَّمَانَ يَنْتَقِلُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ انْتِهَاءِ الثَّمَرِ إلَى أَوَانِ أَخْذِهِ وَصَلَاحِيَتِهِ لَهُ سَوَاءٌ قَطَعَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يَقْطَعْهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَكِنْ هَلْ يُعْتَبَرُ لِانْتِقَالِ الضَّمَانِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْقَطْعِ أَمْ لَا؟ خَرَّجَهَا ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى وَجْهَيْنِ مِنْ الزَّكَاةِ وَرَجَّحَ عَدَمَ اعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ اعْتِبَارُ التَّمَكُّنِ مِنْ النَّقْلِ فِي جَمِيعِ الْأَعْيَانِ فَلَا يَزَالُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى يَحْصُلَ تَمَكُّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ النَّقْلِ وَصَرَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَضْمَنُ الْأَعْيَانَ الْمُتَمَيِّزَةَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ تَمَكَّنَ مِنْ الْقَبْضِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ كَمَا قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَوَائِحِ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمَمْلُوكِ بِصُلْحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صَدَاقٍ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِ عَقْدًا وَيَنْقُلُهُ إلَى يَدِ الْمَعْقُودِ لَهُ ثُمَّ يَنْتَهِي الْعَقْدُ أَوْ يَنْفَسِخُ وَهُوَ نَوْعَانِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ إذَا انْفَسَخَ بَعْدَ قَبْضِهِ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ وَالْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ إذَا انْتَهَتْ الْمُدَّةُ أَوْ الْعَيْنُ الَّتِي أَصْدَقَهَا الْمَرْأَةَ وَأَقْبَضَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ.
(وَالثَّانِي) : أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُعَاوَضَةٍ كَعَقْدِ الرَّهْنِ إذَا وَفَّى الدَّيْنَ وَكَعَقْدِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْوَكَالَةِ إذَا فُسِخَ الْعَقْدُ وَالْمَالُ فِي أَيْدِيهمْ فَأَمَّا عُقُودُ الْمُعَاوَضَاتِ فَيَتَوَجَّهُ فِيهَا لِلْأَصْحَابِ وُجُوهٌ: (أَحَدُهَا) أَنَّ حُكْمَ الضَّمَانِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَقْدِ حُكْمُ ضَمَانِ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ مَضْمُونًا لَهُ وَإِلَّا فَلَا وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الْكَافِي فِي آخَرَيْنِ اعْتِبَارًا لِأَحَدِ الضَّمَانَيْنِ بِالْآخِرِ فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ عِوَضًا فِي بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ وَكَانَ مُتَمَيِّزًا لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ فِي إجَارَةٍ ضَمِنَ بِكُلِّ حَالٍ.
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) إنْ كَانَ انْتِهَاءُ الْعَقْدِ بِسَبَبٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ كَفَسْخِ الْمُشْتَرِي أَوْ يُشَارِكُ فِيهِ الْآخَرُ كَالْفَسْخِ مِنْهُمَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ لِأَنَّهُ يُسَبِّبَ إلَى جَعْلِ مِلْكِ غَيْرِهِ فِي يَدِهِ وَإِنْ اسْتَقَلَّ بِهِ الْآخَرُ كَفَسْخِ الْبَائِعِ وَطَلَاقِ الزَّوْجِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي يَدِ هَذَا بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْهُ وَلَا عُدْوَانٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَلْقَى ثَوْبَهُ فِي دَارِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ وَعَلَى هَذَا يَتَوَجَّهُ ضَمَانُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَى رَفْعِ الْعَقْدِ مَعَ الْمُؤَجِّرِ، وَوُجِّهَ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْقَبْضِ إنَّمَا كَانَ لَازِمًا لِوُجُوبِ الدَّفْعِ لِلْمِلْكِ وَلِهَذَا يَتَمَلَّكُ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ أَخَذَهُ بِدُونِ إذْنِهِ فَبَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا يُوجَدُ إذْنٌ سَابِقٌ وَلَا لَاحِقٌ وَلَوْ قُدِّرَ وُجُودُ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ فَإِنَّمَا أُذِنَ فِي قَبْضِ مَا مَلَكَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ إذْنًا فِي قَبْضِ مِلْكِهِ هُوَ.
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) : حُكْمُ الضَّمَانِ بَعْدَ الْفَسْخِ حُكْمُ مَا قَبْلَهُ فَإِنْ