لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاقٍ وَقَدْ تَأَكَّدَ تَرَتُّبُ عَقْدٍ آخَرَ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ فَسْخٌ لَمْ يَنْفُذْ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَفَعَ بِالْإِقَالَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْفُذَ وَتُلْغَى الْإِقَالَةُ لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ قَبْلَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ فَلَمْ يَنْفُذْ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ شَيْئًا هَذَا ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمُدِ الْأَدِلَّةِ.
(الْفَائِدَةُ الْعِشْرُونَ) : لَوْ بَاعَ ذِمِّيًّا آخَرُ خَمْرًا وَقُبِضَتْ دُونَ ثَمَنِهَا ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَائِعُ وَقُلْنَا يَجِبُ لَهُ الثَّمَنُ فَأَقَالَ الْمُشْتَرِي فِيهَا فَإِنْ قُلْنَا الْإِقَالَةُ بَيْعٌ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ شِرَاءَ الْمُسْلِمِ لِلْخَمْرِ لَا يَصِحُّ. وَإِنْ قُلْنَا هِيَ فَسْخٌ اُحْتُمِلَ أَنْ يَصِحَّ فَيَرْتَفِعُ بِهَا الْعَقْدُ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ فَهِيَ فِي مَعْنَى إسْقَاطِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّهُ اسْتِرْدَادٌ لِمِلْكِ الْخَمْرِ كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُحْرِمِ أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ الصَّيْدَ بِخِيَارٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ صَحَّ الرَّدُّ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ فَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ.
وَفِي التَّلْخِيصِ لَوْ رَدَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ عَلَى بَائِعِهِ الْكَافِرِ بِعَيْبٍ صَحَّ وَدَخَلَ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ قَهْرِيٌّ كَالْإِرْثِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي رَدِّ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِعَيْبٍ وَرَدِّ الْخَمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْعَيْبِ كَذَلِكَ، إذَا قُلْنَا: يُمْلَكَانِ بِالْقَهْرِ.
(الْفَائِدَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) : الْإِقَالَةُ هَلْ تَصِحُّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؟ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ أَنَّ خِيَارَ الْإِقَالَةِ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَصِحُّ بَعْدَهُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ صَحَّتْ مِنْ الْوَرَثَةِ وَإِنْ قُلْنَا: فَسْخٌ فَوَجْهَانِ.
[السَّادِسَةُ] النُّقُودُ هَلْ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ أَمْ لَا؟ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ حَتَّى إنْ الْقَاضِيَ فِي تَعْلِيقِهِ أَنْكَرَ ثُبُوتَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ، وَالْأَكْثَرُونَ أَثْبَتُوهُ.
وَلِهَذَا الْخِلَافِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) أَنَّهُ يُحْكَمُ بِمِلْكِهَا لِلْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا وَإِنْ تَلِفَتْ تَلِفَتْ مِنْ ضَمَانِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَمْلِكُهَا بِدُونِ الْقَبْضِ فَهِيَ قَبْلَهُ مِلْكُ الْبَائِعِ وَتَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِهِ.
(وَمِنْهَا) لَوْ بَانَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا فَعَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَبَانَتْ مُسْتَحَقَّةً، وَعَلَى الثَّانِيَة لَا تَبْطُلُ وَلَهُ الْبَدَلُ، وَهَاهُنَا مَسْأَلَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَهِيَ إذَا غَصَبَ نُقُودًا وَاتَّجَرَ فِيهَا وَرَبِحَ فَإِنَّ نُصُوصَ أَحْمَدَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ بَنَاهُ عَلَى الْقَوْلِ بِوَقْفِ تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ عَلَى الْإِجَارَةِ كَابْنِ عَقِيلٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُ عَلَى أَنْ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ صَحِيحَةٌ بِدُونِ إجَازَةٍ لِأَنَّهُ مُدَّةٌ تَطُولُ فَيَشُقُّ اسْتِدْرَاكُهَا وَفِي الْقَضَاءِ بِبُطْلَانِهَا ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَالِكِ بِتَفْوِيتِهِ الرِّبْحَ، وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَالصِّحَّةُ عِنْدَهُ مُخْتَصُّهُ بِالتَّصَرُّفِ الْكَثِيرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَأَنَّ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِرْجَاعِهِ يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِدُونِ إنْكَارِهِ لَهُذَّا الْمَعْنَى.
وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ نَزَّلَهُ عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَ الثَّمَنَ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَابْنِ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَيَشْهَدُ لِهَذَا أَنَّ الْمَرُّوذِيَّ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ التَّفْرِقَةَ