احْتَاطَ بِالْجَمْعِ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْجُلُوسِ عَقِيبَ رَكْعَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ يَجْلِسُ عَقِيبَ رَكْعَةٍ مَعَ قَوْلِهِ أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرَ صَلَاتِهِ نَقَلَهُ عَنْهُ أَحْمَدُ. وَزَعَمَ صَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّ الْكُلَّ جَائِزٌ.
وَيَرُدُّهُ مَا نَقَلَهُ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إذَا جَلَسَ عَقِيبَ رَكْعَتَيْنِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَجَعَلَهُ كَتَارِكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَمِمَّا يَحْسُنُ تَخْرِيجه عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَلَمْ نَجِدْهُ مَنْقُولًا تَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَة وَتَرْتِيبُ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ إذَا أَقَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ إذَا قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْفَعَ إذَا قَامَ إلَى الرَّكْعَةِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهَا ثَالِثَتُهُ سَوَاءٌ قَامَ عَنْ تَشَهُّدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْفَعَ إذَا قَامَ مِنْ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ الْمُعْتَدِّ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَقِيبَ الثَّانِيَة أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا الرَّفْعِ هُوَ الْقِيَامُ مِنْ هَذَا التَّشَهُّدِ فَيَتْبَعُهُ حَيْثُ كَانَ وَهَذَا أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِيَة) الزَّكَاةُ هَلْ تَجِبُ فِي عَيْنِ النِّصَابِ أَوْ ذِمَّةِ مَالِكِهِ.
اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى طُرُقٍ: (إحْدَاهَا) أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْعَيْنِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ.
(وَالثَّانِيَةُ) : أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ مُتَابَعَةً لِلْخِرَقِيِّ (وَالثَّالِثَةُ) أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَتَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّاب وَغَيْرِهِمَا وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.
(وَالرَّابِعَةُ) أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ وَالثَّانِيَةُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفِي كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ فِي الشَّافِي مَا يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَلَكِنَّ آخِرَ كَلَامِهِ يُشْعِرُ بِتَنْزِيلِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ وَهُمَا يَسَارُ الْمَالِكِ وَإِعْسَارُهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَجَبَتْ فِي عَيْنِ مَالِهِ وَهُوَ غَرِيبٌ.
وَلِلِاخْتِلَافِ فِي مَحِلِّ التَّعَلُّقِ ; هَلْ هُوَ الْعَيْنُ أَوْ الذِّمَّةُ؟ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ:
(الْأُولَى) : إذَا مَلَكَ نِصَابًا وَاحِدًا وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ أَحْوَالًا فَإِنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا بَعْدَهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ قَدْرَ الزَّكَاةِ زَالَ الْمِلْكُ فِيهِ عَلَى قَوْلٍ وَعَلَى آخَرَ ضَعُفَ الْمِلْكُ فِيهِ لِاسْتِحْقَاقِ تَمَلُّكِهِ وَالْمُسْتَحَقُّ فِي حُكْمِ الْمُؤَدَّى فَصَارَ كَالْمَنْذُورِ سَوَاءٌ، فَإِنَّ الْمَنْذُورَ يَجُوزُ عِنْدَنَا إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ وَهَذَا كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ وَجَبَتْ لِكُلِّ حَوْلٍ إلَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ.
وَقَالَ السَّامِرِيُّ: يَتَكَرَّرُ زَكَاتُهُ لِكُلِّ حَوْلٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَتَأَوَّلَ كَلَامَ أَحْمَدَ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ وَهَذَا فِيمَا كَانَتْ زَكَاتُهُ مِنْ جِنْسِهِ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالْإِبِلِ الْمُزَكَّاةِ بِالْغَنَمِ تَكَرَّرَتْ لِكُلِّ حَوْلٍ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ إخْرَاجَ جُزْءٍ مِنْهُ فَيَبْقَى الْمِلْكُ فِيهِ تَامًّا وَهَذَا مَا ذَكَرَ الْخَلَّالُ وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ وَذَكَرَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ لَا يَجِبُ سِوَى زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ وَمَتَى اسْتَأْصَلَتْ الزَّكَاةُ الْمَالَ سَقَطَتْ بَعْدَ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَلَى