دُونَهُ حَلَّ الْوَطْءُ وَإِنْ شَكَّ وَتَرَدَّدَ كَفَّ عَنْهُ وُجُوبًا عِنْدَ الْقَاضِي. وَوَرَعًا عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا رَوَاهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: يَعْتَزِلَانِ نِسَاءَهُمَا حَتَّى يَتَيَقَّنَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَكِنْ لَمْ تُخْرِجْهُ بِالْقُرْعَةِ كَمَا رَوَاهُ الشَّالَنْجِيُّ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ خَاصَّةً كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَأَمَّلْتُ نُصُوصَ أَحْمَدَ فَوَجَدْتُهُ يَأْمُرُ بِاعْتِزَالِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي كُلِّ يَمِينٍ حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَدْرِي أَهُوَ بَارٌّ فِيهَا أَمْ لَا؟ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ بَارٌّ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ بَارٌّ اعْتَزَلَهَا أَبَدًا، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَارٌّ فِي وَقْتِ وَشَكَّ فِي وَقْتِ اعْتَزَلَهَا وَقْتَ الشَّكِّ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ وَأَمْكَنَ وُجُودُهُ فَإِنَّهُ يَعْتَزِلُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يُعْلَمَ انْتِفَاؤُهُ. نَصَّ عَلَى فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ فِي مَوَاضِعَ (مِنْهَا) إذَا قَالَ إنْ كُنْت حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ يَعْتَزِلُهَا حَتَّى يُتَبَيَّنَ الْحَمْلُ.
(وَمِنْهَا) إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ يَعْتَزِلُهَا حَتَّى يَدْرِيَ مَا يَفْعَلُ.
(وَمِنْهَا) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يَعْتَزِلُهَا إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ.
(وَمِنْهَا) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَإِنَّهُ يَعْتَزِلُهَا مُطْلَقًا نَقَلَهُ عَنْهُ مُهَنَّا (وَمِنْهَا) مَسْأَلَةُ إنْ كَانَ الطَّائِرُ غُرَابًا، وَهِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ.
(وَمَنْ مَسَائِلِ الْقُرْعَةِ) إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى مُتَعَاقِبَيْنِ وَأَشْكَلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا وَاحِدَةً لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُلْغَى كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَشَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي.
وَالثَّانِي: يُعَيِّنُ الْوَاقِعَ مِنْهُمَا بِالْقُرْعَةِ قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ وُقُوعَ أَحَدِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ وَشَكَّ فَمَيَّزَ بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ وُقُوعَ طَلَاقِ إحْدَى الزَّوْجَتَيْنِ وَشَكَّ فِي عَيْنِهَا، وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ الْقُرْعَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي إلْحَاقِ الطَّلَاقِ لِأَحَدِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَبِهَةِ فَمَنْ قَالَ بِالْقُرْعَةِ هُنَا جَعَلَهَا لِتَعْيِينِ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ وَجَعْلِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لَازِمًا لِذَلِكَ وَمَنْ مَنَعَهَا نَظَرَ إلَى الْقَصْدِ بِهَا هُنَا هُوَ اللَّازِمُ وَهُوَ الْوُقُوعُ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقُرْعَةِ فِيهِ وَهَذَا أَظْهَرُ.
(وَمَنْ غَرَائِبِ مَسَائِلِ الْقُرْعَةِ فِي الطَّلَاقِ) إذَا قَالَ لِزَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ أَيَّتُكُنَّ لَمْ أَطَأْهَا اللَّيْلَةَ فَصَوَاحِبَاتُهَا طَوَالِقُ وَلَمْ يَطَأْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُنَّ يُطَلَّقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ; لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ وَهُوَ خُلُوُّ الْوَطْءِ فِي اللَّيْلَةِ قَدْ تَحَقَّقَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْهَا فَإِذَا بَقِيَ جُزْءٌ مِنْهَا لَا يَتَّسِعُ لِلْإِيلَاجِ تَحَقَّقَ شَرْطُ طَلَاقِ الْجَمِيعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَيُطَلَّقُ الْجَمِيعَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثُ صَوَاحِبَاتٍ لَمْ يَطَأْهُنَّ فَاجْتَمَعَتْ شُرُوطُ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا. وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ:
أَحَدُهُمَا هَذَا.
وَالْآخَرُ: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَجَزَمَ بِهِ أَنَّ إحْدَاهُنَّ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَالْبَوَاقِيَ يُطَلَّقْنَ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الْأُولَى طَلُقَتْ الثَّلَاثُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَلَمَّا امْتَنَعَ عَنْ الثَّانِيَة طَلُقَتْ الْأُولَى وَاحِدَةً وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ ثِنْتَيْنِ