تُوجِبُ الْقَوَدَ بَلْ لَهُ الِاقْتِصَاصُ وَلَا نَعْدَمُ شَيْئًا مَعَ تَعَلُّقِ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ بِأَعْيَانِ مَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَغْرَمُ مِنْهُ فَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَافِي أَنَّ الْوَجْهَيْنِ عَلَى قَوْلِنَا مُوجِبُ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَيْنًا. فَأَمَّا إنْ قُلْنَا أَحَدُ أَمْرَيْنِ وَجَبَ الضَّمَانُ لِتَفْوِيتِ الْمَالِ الْوَاجِبِ وَهُوَ بَعِيدٌ فَأَمَّا إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا فَإِنَّمَا فَوَّتَ اكْتِسَابَ الْمَالِ لَمْ يُفَوِّتْ مَالًا وَاجِبًا فَلَا يَتَوَجَّهُ الضَّمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَيَتَعَيَّنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ ; لِأَنَّهُمَا صَرَّحَا فِي الْعَفْوِ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ إذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا، وَعَلَّلَا بِأَنَّهُ إنَّمَا فَوَّتَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ اكْتِسَابَ الْمَالِ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ وَالِاقْتِصَاصُ مِثْلُ الْعَفْوِ ثُمَّ وَجَدَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ صَرَّحَ بِهَذَا الْبِنَاءِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ.
وَمِنْهَا: إذَا قُتِلَ عَبْدٌ مِنْ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدُّيُونِ عَمْدًا وَقُلْنَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ فَاخْتَارُوا الْقِصَاصَ فَهَلْ يُطَالَبُونَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ أَمْ لَا؟ يُخَرَّجُ عَلَى الْمَرْهُونِ.
وَمِنْهَا: الْعَبْدُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ إذَا قُتِلَ عَمْدًا فَهَلْ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ الِاقْتِصَاصُ بَعْدَ إذْنِ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ وَهَلْ يَضْمَنُ أَمْ لَا؟ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ بِالْمَنْعِ كَالرَّهْنِ سَوَاءٌ وَهَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ أَنَّ حَقَّ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ لَمْ يَبْطُلْ بِالْقَتْلِ وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ بُطْلَانُ حَقِّهِ بِالْقَتْلِ جَعْلًا لِلْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ كَالْهِبَةِ الَّتِي لَمْ تُقْبَضْ فَلَا يُمْنَعُ مَالِكُ الرَّقَبَةِ مِنْ الِاقْتِصَاصِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: إذَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ الْجَوَازَ ; لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالْقِصَاصِ وَالْعَفْوَ عَنْهُ إلَى الْعَبْدِ دُونَ سَيِّدِهِ وَلَوْ كَانَ قِنًّا وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي مَنْعِهِ مِنْ الِاقْتِصَاصِ مِنْ عَبِيدِهِ إذَا قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِصَاصُ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقَاتِلَ قَدْ فَوَّتَ مَالًا مَمْلُوكًا فَهُوَ كَقَتْلِ الرَّاهِنِ الْمَرْهُونَ بِقِصَاصٍ اسْتَحَقَّهُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ ضَمَانُ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ ; لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَسْتَحِقُّ انْتِزَاعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَهَذَا بِخِلَافِ اقْتِصَاصِ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْجَانِي عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ بِهِ مَالًا مَمْلُوكًا لَهُ.
وَمِنْهَا: لَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ قَبْلَ قَبُولِهِ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ الِاقْتِصَاصُ بِدُونِ إذْنِ الْمُوصَى لَهُ، إذَا قُلْنَا هُوَ مِلْكٌ يَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ إذَا قُلْنَا: إنَّ الْجِنَايَةَ أَوْجَبَتْ أَحَدَ شَيْئَيْنِ فَإِنْ فَعَلُوا ضَمِنُوا لِلْمُوصَى لَهُ الْقِيمَةَ إذَا قَبِلَ.
وَمِنْهَا: لَوْ قُتِلَ عَبْدٌ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَمْدًا فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَهُمَا شَرِيكَانِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالْقِصَاصِ وَلَا الْعَفْوُ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ فَلَوْ اقْتَصَّ رَبُّ الْمَالِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُضَارِبِ تَوَجَّهَ أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُضَارِبِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ.
" الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَة " فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ.
أَحَدُهَا أَنْ يَقَعَ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ إحْدَاهُمَا ثُبُوتُ الدِّيَةِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ [وُهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَالثَّانِيَة: بِنَاؤُهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ] .