الْكُفَّارَ حَتَّى يُصَرِّحَ بِدُخُولِهِمْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَأَبِي طَالِبٍ، وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي كُفَّارٌ فَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ ; لِأَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى وَاحِدٍ بَعِيدٌ جِدًّا.
وَمِنْهَا: لَوْ تَهَايَأَ الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ هُوَ وَسَيِّدُهُ عَلَى مَنَافِعِهِ وَأَكْسَابِهِ، فَهَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْأَكْسَابُ النَّادِرَةُ كَالرِّكَازِ وَالْهَدِيَّةِ وَاللُّقَطَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَمَالٌ وَقَالَ لَمْ أُرِدْ زَوْجَتِي فَهُوَ مُظَاهِرٌ، عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ; لِأَنَّ الزَّوْجَةَ أَشْهَرُ أَفْرَادِ الْحَلَالِ الَّذِي يَقْصِدُ تَحْرِيمَهُ، وَلَا يَنْصَرِفُ الذِّهْنُ ابْتِدَاءً إلَى غَيْرِهِ، فَلَا يَصِحُّ إخْرَاجُهُ مِنْ الْعُمُومِ بِعَدَمِ إرَادَةِ دُخُولِهِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إخْرَاجُهُ بِإِرَادَةِ عَدَمِ دُخُولِهِ.
فَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَهُ مَالٌ فَهُوَ يَمِينٌ كَسَائِرِ تَحْرِيمِ الْمُبَاحَاتِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ وَمَالٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ لَا غَيْرُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي طَالِبٍ فِي صُورَةِ: كُلِّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يَجِبُ مَعَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِدُخُولِ الْمَالِ فِي الْعُمُومِ.
وَوَجْهُ الْقَاضِي نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بِتَوْجِيهَاتٍ مُسْتَبْعَدَةٍ، وَعِنْدِي فِي تَخْرِيجِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى الْأَفْهَامِ مِنْ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ تَحْرِيمُ الزَّوْجَةِ دُونَ الْأَمْوَالِ، فَإِنَّهَا لَا تُقْصَدُ بِالتَّحْرِيمِ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ لِكَوْنِهَا لَا تُقْصَدُ عَادَةً، فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ فِي صُورَةِ الْقَاعِدَةِ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُخَرَّجَةً عَلَى قَوْلِهِ بِتَدَاخُلِ الْأَيْمَانِ، وَأَنَّ مُوجِبَهَا وَاحِدٌ فَإِنَّ الْجِنْسَ هَاهُنَا وَاحِدٌ وَهُوَ تَحْرِيمُ الْحَلَالِ، فَصَارَ مُوجِبُهُ كَفَّارَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ تَعَيَّنَتْ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِدُخُولِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ.
(الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ) : إذَا اسْتَنَدَ إتْلَافُ أَمْوَالِ الْآدَمِيِّينَ وَنُفُوسِهِمْ إلَى مُبَاشَرَةٍ وَسَبَبٍ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ السَّبَبِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى السَّبَبِ وَنَاشِئَةً عَنْهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُلْجِئَةً، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا عُدْوَانَ فِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ اسْتَقَلَّ السَّبَبَ وَحْدَهُ بِالضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا عُدْوَانٌ شَارَكَتْ السَّبَبَ فِي الضَّمَانِ. فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ:
وَمِنْ صُوَرِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَسَائِلُ: مِنْهَا: إذَا حَفَرَ وَاحِدٌ بِئْرًا عُدْوَانًا ثُمَّ دَفَعَ غَيْرَهُ فِيهَا آدَمِيًّا مَعْصُومًا أَوْ مَالًا لِمَعْصُومٍ فَسَقَطَ فَتَلِفَ فَالضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ وَحْدَهُ.
وَمِنْهَا لَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ فَاسْتَقَرَّ بَعْدَ فَتْحِهِ فَجَاءَ آخَرُ فَنَفَّرَهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُنَفِّرِ وَحْدَهُ.
وَمِنْهَا: لَوْ رَمَى مَعْصُومًا مِنْ شَاهِقٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ بِسَيْفٍ فَقَدَّهُ بِهِ فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.
فَأَمَّا أَنْ لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَضَرَبَهُ آخَرُ فَمَاتَ فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ وَيُعَزَّرُ الثَّانِي ; لِأَنَّ الضَّارِبَ لَيْسَ بِمُتَسَبِّبٍ بَلْ هُوَ مُبَاشِرٌ لِلْقَتْلِ فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ.
وَكَذَا لَوْ رَمَى بِهِ صَيْدًا فَأَصَابَ مَقْتَلَهُ ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَمَاتَ فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ فَيُبَاحُ الصَّيْدُ بِذَلِكَ وَالثَّانِي جَانٍ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ