وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ ; لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصْرِفُ اللَّفْظَ إلَى مُحْتَمَلٍ وَلَا احْتِمَالَ فِي النَّصِّ الصَّرِيحِ، إنَّمَا الِاحْتِمَالُ فِي الْعُمُومِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: النِّيَّةُ فِيمَا خَفِيَ لَيْسَ فِيمَا ظَهَرَ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ نِسَائِي الْأَرْبَعُ طَوَالِقُ وَاسْتَثْنَى بِقَوْلِهِ فُلَانَةَ فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ لِي حُرٌّ وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ بَعْضَ عَبِيدِهِ، فَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي صِحَّتِهِ رِوَايَتَيْنِ، وَلَكِنْ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا أَظْهَرُ، وَفِي كَلَامِ أَحْمَدَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَشْقَاصِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ كُلًّا وَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِاسْتِغْرَاقِ مَا يُضَافُ إلَيْهِ، إلَّا أَنَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ الْقَابِلَةِ فِي الْجُمْلَةِ.
تَنْبِيهٌ حَسَنٌ: فَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ فِي الْأَيْمَانِ فِي مَسَائِلَ، وَقَالُوا فِي الْإِثْبَاتِ: لَا يَتَعَلَّقُ الْبِرُّ إلَّا بِتَمَامِ الْمُسَمَّى، وَفِي الْحِنْثِ يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَالُوا: الْأَيْمَانُ تُحْمَلُ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ وَالشَّارِعِ إذَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِجُمْلَتِهِ وَأَبْعَاضِهِ، وَإِذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ لَمْ يَحْصُلْ الِامْتِثَالُ بِدُونِ الْإِتْيَانِ بِكَمَالِهِ.
فَأَخَذَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ هَذَا أَنَّ الْيَمِينَ فِي الْإِثْبَاتِ لَا تَعُمُّ وَفِي النَّفْيِ تَعُمُّ، كَمَا عَمَّتْ أَجْزَاءَ الْمَحْلُوفِ، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ أَنَّ السَّبَبَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ فِي النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِي الْأَيْمَانِ، وَقَرَّرَهُ بِأَنَّ الْمَفَاسِدَ يَجِبُ اجْتِنَابُهَا كُلَّهَا، بِخِلَافِ الْمَصَالِحِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ تَحْصِيلُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهَا ; فَإِذَا وَجَبَ تَحْصِيلُ مَنْفَعَةٍ لَمْ يَجِبْ تَحْصِيلُ أُخْرَى مِثْلِهَا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِالْأُولَى، وَكَلَامُهُ يَشْمَلُ التَّعْمِيمَ بِالنِّيَّةِ أَيْضًا، حَتَّى ذَكَرَ فِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي تَحْرِيمٍ تَعَدَّتْ بِالْقِيَاسِ إلَى غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِالْعِلَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ إيجَابًا لَمْ تَتَعَدَّ، وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ.
وَحَكَى عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوْجَبْت كُلَّ يَوْمٍ أَكْلَ السُّكَّرِ ; لِأَنَّهُ حُلْوٌ وَجَبَ أَكْلُ كُلِّ حُلْوٍ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ، بَلْ الَّذِي يُقَالُ إنَّهُ يَجِبُ كُلَّ يَوْمٍ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحُلْوِ كَائِنًا مَا كَانَ، قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ يُبْطِلُ إيجَابَ السُّكَّرِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُرْفَعُ إشْكَالٌ فِي مَسْأَلَةِ قَوْلِ السَّيِّدِ: أَعْتَقْت غَانِمًا لِسَوَادِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ كُلُّ أَسْوَدَ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ.
(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ) : الصُّوَرُ الَّتِي لَا تُقْصَدُ مِنْ الْعُمُومِ عَادَةً إمَّا لِنُدُورِهَا أَوْ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَانِعٍ لَكِنْ يَشْمَلُهَا اللَّفْظُ مَعَ اعْتِرَافِ الْمُتَكَلِّمِ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إدْخَالَهَا فِيهِ هَلْ يُحْكَمُ بِدُخُولِهَا أَمْ لَا؟ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، وَيَتَرَجَّحُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الدُّخُولُ وَفِي بَعْضِهَا عَدَمُهُ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْقَرَائِنِ وَضَعْفِهَا، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ:
(مِنْهَا) : إذَا قِيلَ تَزَوَّجْت عَلَى امْرَأَتِك فَقَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ طَالِقٌ هَلْ تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ الْمُخَاطَبَةُ أَمْ لَا إذَا