عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ حَاكِمٍ، قَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْمُودَعِ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجِهِ الْمُسْتَوْدِعَ وَأَهْلِهِ فِي غَيْبَتِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا ; لِأَنَّ الْوِلَايَةَ هُنَا عَلَى مَعْرُوفٍ فَنَظِيرُهُ مَنْ وَجَدَ طِفْلًا مَعْرُوفَ النَّسَبِ أَبُوهُ غَائِبٌ.
(وَمِنْهَا) الرُّهُونُ الَّتِي لَا تُعْرَفُ أَهْلُهَا نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الصَّدَقَةِ بِهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي الْحَارِثِ وَغَيْرِهِمَا وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنِ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّهُ تَعَذَّرَ إذْنُ الْحَاكِمِ لِمَا رَوَى عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ أَيْضًا إذَا كَانَ عِنْدَهُ رَهْنٌ وَصَاحِبُهُ غَائِبٌ وَخَافَ فَسَادَهُ يَأْتِي السُّلْطَانَ لِيَأْمُرَ بِبَيْعِهِ وَلَا يَبِيعُهُ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ وَأَقَرُّوا النُّصُوصَ عَلَى وُجُوهِهَا فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ مَعْرُوفًا لَكِنَّهُ غَائِبٌ رَفَعَ أَمْرَهُ إلَى السُّلْطَانِ وَإِنْ جَهِلَ جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِدُونِ حَاكِمٍ وَإِنْ عَلِمَ صَاحِبُهُ لَكِنَّهُ آيِسٌ مِنْهُ تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ.
(وَمِنْهَا) الْوَدَائِعُ الَّتِي جُهِلَ مَالِكُهَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِدُونِ حَاكِمٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ فُقِدَ وَلَمْ يُطَّلَعْ عَلَى خَبَرِهِ وَلَيْسَ لَهُ وَرَثَةٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ حَاكِمًا قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى إطْلَاقِهِ ; لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْمَعْرُوفِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عِنْدَ تَعَذُّرِ إذْنِ الْحَاكِمِ ; لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ مَصْرِفُهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَتَفْرِقَةُ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ مَوْكُولَةٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. انْتَهَى وَالصَّحِيحُ الْإِطْلَاقُ وَبَيْتُ الْمَالِ لَيْسَ بِوَارِثٍ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ وَإِنَّمَا يُحْفَظُ فِيهِ الْمَالُ الضَّائِعُ فَإِذَا أَيِسَ مِنْ وُجُودِ صَاحِبِهِ فَلَا مَعْنَى لِلْحِفْظِ وَمَقْصُودُ الصَّرْفِ فِي مَصْلَحَةِ الْمَالِكِ تَحْصُلُ بِالصَّدَقَةِ بِهِ عَنْهُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الصَّرْفِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا صَرَفَ عَنْ فَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ إلَى غَيْرِ مَصْرِفِهِ وَأَيْضًا فَالْفُقَرَاءُ مُسْتَحِقُّونَ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا وَصَلَ لَهُمْ هَذَا الْمَالُ عَلَى غَيْرِ يَدِ الْإِمَامِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَلِهَذَا قُلْنَا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إذَا فَرَّقَ الْأَجْنَبِيُّ الْوَصِيَّةَ وَكَانَتْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ فَإِنَّهَا تَقَعُ الْمَوْقِعَ، وَلَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِمُعَيَّنٍ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَتَخَرَّجُ جَوَازُ أَخْذِ الْفُقَرَاءِ الصَّدَقَةَ مِنْ يَدِ مَنْ مَالُهُ حَرَامٌ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَأَفْتَى الْقَاضِي بِجَوَازِهِ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِيمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدَائِعُ فَوَكَّلَ فِي دَفْعِهَا ثُمَّ مَاتَ وَجُهِلَ رَبُّهَا وَأَيِسَ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُ الْوَكِيلُ وَوَرَثَةُ الْمُوَكِّلِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ صَاحِبُهَا فِيهِ حَيْثُ يَرَوْنَ أَنَّهُ كَانَ، وَهُمْ ضَامِنُونَ إذَا ظَهَرَ لَهُ وَارِثٌ، وَاعْتِبَارُ الصَّدَقَةِ فِي مَوْضِعِ الْمَالِكِ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى مِثْلِهِ فِي الْغَصْبِ وَفِي مَالِ الشُّبْهَةِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ (يَعْنِي إذَا جُهِلَ الْقَاتِلَ) وَوَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّ الْغُرْمَ لَمَّا اخْتَصَّ بِأَهْلِ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ الْجَانِي ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْجَانِيَ أَوْ عَاقِلَتَهُ الْمُخْتَصَّيْنِ بِالْغُرْمِ لَا يَخْلُو الْمَكَانُ [مِنْهُمْ] فَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ بِالْمَالِ