قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ غَاصِبٌ لِنِصْفِ مَنْ رَفَعَ يَدَهُ فَقَطْ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، فَعَلَى، هَذَا لَوْ اسْتَعْمَلَ الْغَاصِبُ وَالشَّرِيكُ الْمِلْكَ وَانْتَفَعَا بِهِ لَمْ يَلْزَمْ هَذَا الشَّرِيكَ لِشَرِيكِهِ الْمُخْرِجِ شَيْءٌ فَلَوْ بَاعَا الْعَيْنَ صَحَّ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْبَائِعِ كُلِّهِ وَبَطَلَ فِي النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ الْغَاصِبُ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى خِلَافٍ ; لِأَنَّهُ نَصَّ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ عَلَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ مِنْ قَوْمٍ ضَيْعَةً ثُمَّ رَدَّ إلَى أَحَدِهِمْ نَصِيبَهُ مُشَاعًا لَمْ يَطِبْ لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ بِمَا رُدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ يُشْبِهُ أَصْلَهُ الْمَنْصُوصَ عَنْهُ فِي مَنْعِ إجَارَةِ الْمُشَاعِ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ بِانْفِرَادِهِ فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَرْفَعْ يَدَهُ التَّصَرُّفُ إلَّا فِي الرُّبْعِ خَاصَّةً وَالرُّبْعُ الْآخَرُ حَقٌّ لِشَرِيكِهِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَلَمْ يَجْتَمِعْ هَهُنَا يَدُ الْغَاصِبِ مَعَ يَدِ الْمَالِكِ فِي شَيْءٍ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ وَالتِّسْعُونَ) : مَنْ قَبَضَ مَغْصُوبًا مِنْ غَاصِبِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ فَالْمَشْهُورُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ فِي جَوَازِ تَضْمِينِهِ مَا كَانَ الْغَاصِبُ يَضْمَنُهُ مِنْ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَابِضُ قَدْ دَخَلَ عَلَى ضَمَانِ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ اسْتَقَرَّ ضَمَانُهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ ضَمِنَهُ الْمَالِكُ مَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ضَمَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ ; حَصَلَ لَهُ بِمَا ضَمِنَهُ نَفْعٌ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَ حَصَلَ لَهُ بِهِ نَفْعٌ فَهَلْ يَسْتَقِرُّ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ أَمْ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ وَفِي بَعْضِهِ خِلَافٌ نُشِيرُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذِهِ الْأَيْدِي الْقَابِضَةُ مِنْ الْغَاصِبِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحَالِ عَشْرَةٌ
(الْأُولَى) الْغَاصِبَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا الضَّمَانُ كَأَصْلِهَا وَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهَا مَعَ التَّلَفِ تَحْتَهَا وَلَا يُطَالَبُ بِمَا زَادَ عَلَى مُدَّتِهَا.
(وَالثَّانِيَةُ) : الْآخِذَةُ لِمَصْلَحَةِ الدَّافِعِ كَالِاسْتِيدَاعِ وَالْوَكَالَةِ بِغَيْرِ جُعْلٍ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينُهَا ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْغَاصِبِ لِتَغْرِيرِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ بِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ عَلَيْهَا لِتَلَفِ الْمَالِ تَحْتَهَا مِنْ غَيْرِ إذْنٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَسَيَأْتِي أَصْلُهُ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَضْمِينُهَا بِحَالٍ مِنْ الْوَجْهِ الْمَحْكِيِّ كَذَلِكَ فِي الْمُرْتَهِنِ وَنَحْوِهِ وَأَوْلَى، وَخَرَّجَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ مُودِعِ الْمُودَعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيدَاعُ فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْأَوَّلِ وَحْدَهُ كَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَذَكَرَ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ مَنَعَ ظُهُورَهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَرَّقُوا بَيْنَ مُودَعَ الْمُودِعِ وَمُودَعَ الْغَاصِبِ فَإِنَّ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ فِي الْأَوَّلِ الْقَبْضُ وَهُوَ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ مِنْ جِهَتَيْنِ بِخِلَافِ مُودَعِ الْغَاصِبِ فَإِنْ قَبْضَهُ صَالِحٌ لِتَضْمِينِهِ حَيْثُ كَانَ الضَّمَانُ مُسْتَقِرًّا عَلَى الْغَاصِبِ قَبْلَهُ وَبِأَنَّ الضَّمَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَبْضِ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ وَالْقَبْضُ