الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَأَمَّا إجَارَةُ إقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ الَّتِي مَوْرِدُهَا مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ دُونَ رَقَبَتِهَا فَلَا نَقْلَ فِيهَا نَعْلَمُهُ، وَكَلَامُ الْقَاضِي قَدْ يُشْعِرُ بِالْمَنْعِ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ مَنَاطَ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ لِلْمَنَافِعِ لُزُومَ الْعَقْدِ وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْإِقْطَاعِ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ، وَجَعَلَ الْخِلَافَ فِيهِ مُبْتَدَعًا وَقَرَّرَهُ بِأَنَّ الْإِمَامَ جَعَلَهُ لِلْجُنْدِ عِوَضًا عَنْ أَعْمَالِهِمْ فَهُوَ كَالْمَمْلُوكِ بِعِوَضٍ وَلِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْإِيجَارِ عُرْفِيٌّ فَجَازَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَلَوْ تَهَايَأَ الشَّرِيكَانِ عَلَى الْأَرْضِ وَقُلْنَا لَا يَلْزَمُ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا إجَارَةُ حِصَّتِهِ؟ الْأَظْهَرُ جَوَازُهُ ; لِأَنَّ الْمُهَايَآتِ إذَا فُسِخَتْ عَادَ الْمِلْكُ مُشَاعًا فَيَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي إجَارَةِ الْمُشَاعِ وَتُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْحُقُوقُ الثَّابِتَةُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْأَمْلَاكِ فَلَا يَصِحُّ النَّقْلُ فِيهَا بِحَالٍ وَتَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى إثْبَاتِهَا وَاسْتِيفَائِهَا.
وَأَمَّا مِلْكُ الِانْتِفَاعِ وَحُقُوقُ الِاخْتِصَاصِ سِوَى الْبُضْعِ وَحُقُوقُ التَّمَلُّكِ فَهَلْ يَصِحُّ نَقْلُ الْحَقِّ فِيهَا أَمْ لَا؟ إنْ كَانَتْ لَازِمَةً جَازَ النَّقْلُ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَفِي جَوَازِهِ بِعِوَضٍ خِلَافٌ وَيَنْدَرِجُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ:
(مِنْهَا) مَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ يَدُ الِاخْتِصَاصِ كَالْكَلْبِ وَالزَّيْتِ النَّجِسِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ فَإِنَّهُ تَنْتَقِلُ الْيَدُ فِيهِ بِالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِعَارَةِ فِي الْكَلْبِ، وَفِي الْهِبَةِ وَجْهَانِ اخْتَارَ الْقَاضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ وَخَالَفَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّ نَقْلَ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ بِغَيْرِ عِوَضٍ جَائِزٌ كَالْوَصِيَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ.
، وَأَمَّا إجَارَةُ الْكَلْبِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ ; لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ وَلَا مَالِيَّةَ فِيهِ وَحَكَى أَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَكَذَا خَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا بِالْجَوَازِ فَيَكُونُ مُعَاوَضَةً عَنْ نَقْلِ الْيَدِ وَيَرُدُّهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِهِ وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُعَاوَضَةً عَنْ نَقْلِ الْيَدِ.
(وَمِنْهَا) الْمُسْتَعِيرُ لَا يَمْلِكُ نَقْلَ حَقِّهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِلُزُومِ الْعَارِيَّةِ كَمَا سَبَقَ.
(وَمِنْهَا) مَرَافِقُ الْأَمْلَاكِ مِنْ الْأَفْنِيَةِ وَالْأَزِقَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ تَصِحُّ إبَاحَتُهَا وَالْإِذْنُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا كَالْإِذْنِ فِي فَتْحِ بَابٍ وَنَحْوِهِ.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيَكُونُ إعَارَةً عَلَى الْأَشْبَهِ وَتَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ فَتْحِ الْأَبْوَابِ وَنَحْوِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمُصَالَحَةِ بِعِوَضٍ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي أَرْضِهِ أَوْ فَتْحِ الْبَابِ فِي حَائِطِهِ أَوْ وَضْعِ خَشَبٍ عَلَى جِدَارِهِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْقَوْلِ بِمِلْكِ هَذِهِ الْمَرَافِقِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِنَقْلِ الْيَدِ بِعِوَضٍ كَمَا سَبَقَ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ جَوَازَ الْمُصَالَحَةِ عَلَى الرَّوْشَنِ الْخَارِجِ فِي الدَّرْبِ الْمُشْتَرَكِ وَأَمَّا [عَلَى] الشَّجَرَةِ فَفِيهَا خِلَافٌ مَعْرُوفٌ لِكَوْنِهَا لَا تَدُومُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا الِانْتِفَاعُ بِأَفْنِيَةِ الْأَمْلَاكِ وَالْمَسَاجِدِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الْمُلَّاكِ وَالْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَفِي جَوَازِهِ رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَتَجُوزُ الْمُصَالَحَةُ بِعِوَضٍ عَلَى إسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِهِ وَنَحْوُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ.
(وَمِنْهَا) مُتَحَجِّرِ الْمَوَاتِ وَمَنْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ مَوَاتًا لِيُحْيِيَهُ