يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَمْلِكُ الْجَارُ إعَارَةَ غَيْرِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ جَارِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ زَرْعًا قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ فِي أَرْضٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ إبْقَاءَهُ إلَى وَقْتِ صَلَاحِهِ لِلْحَصَادِ فَأَمَّا إنْ بَاعَ شَجَرَةً فَهَلْ يَدْخُلُ مَنْبَتُهَا فِي الْبَيْعِ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَحَكَى عَنْ ابْنِ شَاقِلَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَإِنْ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ الدُّخُولُ حَيْثُ قَالَ فِيمَنْ أَقَرَّ بِشَجَرَةٍ لِرَجُلٍ هِيَ لَهُ بِأَصْلِهَا وَعَلَى هَذَا لَوْ انْقَلَعَتْ فَلَهُ إعَادَةُ غَيْرِهَا مَكَانَهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَاقِلَا كَالزَّرْعِ إذَا حُصِدَ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الْأَرْضِ سِوَى حَقِّ الِانْتِفَاعِ.
ِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَخْتَصُّ مُسْتَحِقُّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مُزَاحَمَتَهُ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ قَابِلٍ لِلشُّمُولِ وَالْمُعَاوَضَاتِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ صُوَرٌ:
(مِنْهَا) الْكَلْبُ الْمُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ كَالْمُعَلَّمِ لِمَنْ يَصْطَادُ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا يَصْطَادُ بِهِ أَوْ كَانَ الْكَلْبُ جَرْوًا يَحْتَاجُ إلَى تَعْلِيمٍ فَوَجْهَانِ.
(وَمِنْهَا) الْأَدْهَانُ الْمُتَنَجِّسَةُ الْمُنْتَفَعُ بِهَا بِالْإِيقَادِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ فَأَمَّا نَجِسَةُ الْعَيْنِ كَدُهْنِ الْمَيْتَةِ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ.
(وَمِنْهَا) جِلْدُ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغُ إذَا قِيلَ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْيَابِسَاتِ فَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ بِحَالٍ فَلَا يَدَ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّهُ عَلَى مَنْ انْتَزَعَهُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا فِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّهُ نَعَمْ لَوْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَجَبَ رَدُّهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْأَصْحَابُ ; لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ لَمْ تَزُلْ عَنْهَا بِالْغَصْبِ فَكَأَنَّهَا تَخَلَّلَتْ فِي يَدِهِ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ بِمُجَرَّدِ التَّخْمِيرِ فَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ الزَّوَالَ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَزُلْ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَوْ عَادَتْ خَلًّا عَادَ الْمِلْكُ الْأَوَّلُ لِحُقُوقِهِ مِنْ ثُبُوتِ الرَّهْنِيَّةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى لَوْ خَلَّفَ خَمْرًا وَدَيْنًا فَتَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ قَضَى مِنْهُ دَيْنَهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ فِي الرَّهْنِ وَذَكَرَ هُوَ وَابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا فِيهِ لَوْ وَهَبَ الْخَمْرَ وَأَقْبَضَهَا أَوْ أَرَاقَهَا فَجَمَعَهَا آخَرُ فَتَحَلَّلَتْ فِي يَدِ الثَّانِي فَهَلْ هِيَ مِلْكٌ لَهُ أَوْ لِلْأَوَّلِ عَلَى احْتِمَالَيْنِ وَفَرَّقَا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْغَصْبِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ زَالَتْ يَدُهُ عَنْهَا بِالْإِرَاقَةِ وَالْإِقْبَاضِ وَثَبَتَ يَدُ الثَّانِي بِخِلَافِ الْغَصْبِ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِتَخْمِيرِ الْعَصِيرِ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى الْخَمْرِ لِإِمْكَانِ عَوْدِهَا مَالًا.
(وَمِنْهَا) مَرَافِقُ الْأَمْلَاكِ كَالطُّرُقِ وَالْأَفْنِيَةِ وَمَسِيلِ الْمِيَاهِ وَنَحْوِهَا هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ أَوْ ثَبَتَ فِيهَا حَقُّ الِاخْتِصَاصِ؟ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: ثُبُوتُ حَقِّ الِاخْتِصَاصِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَفِي الْغَصْبِ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ حَفَرَ فِي فِنَائِهِ بِئْرًا أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِحَفْرِهِ