الْمَالِكُ الْمَالَ غَرِمَ نَصِيبَهُ وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ، وَلَوْ أَسْقَطَ الْمُضَارِبُ حَقَّهُ مِنْهُ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ مِلْكُهُ لَمْ يَسْقُطْ، وَإِنْ قُلْنَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ فَفِي التَّلْخِيصِ احْتِمَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْقُطُ كَالْغَنِيمَةِ.
وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّ الرِّبْحَ هُنَا مَقْصُودٌ وَقَدْ تَأَكَّدَ سَبَبُهُ بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّ مَقْصُودَ الْجِهَادِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ لَا الْمَالُ.
(وَمِنْهَا) حَقُّ الْغَانِمِ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ لَكِنْ هَلْ يُشْتَرَطُ الْإِحْرَازُ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ وَتُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ.
وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَابْنِ أَبِي مُوسَى كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي فَعَلَى هَذَا لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا إلَّا مَنْ شَهِدَ الْإِحْرَازَ، وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَاعْتَبَرَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ شُهُودَ إحْرَازِ الْوَقْعَةِ وَقَالُوا لَا يَسْتَحِقُّ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ.
وَفَصَلَ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ بَيْنَ الْجَيْشِ وَأَهْلِ الْمَدَدِ فَأَمَّا الْجَيْشُ فَيَسْتَحِقُّونَ بِحُضُورِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْعَةِ إذَا كَانَ تَخَلُّفُهُمْ عَنْ الْبَاقِي لِعُذْرٍ كَمَوْتِ الْغَازِي أَوْ مَوْتِ فَرَسِهِ، وَأَمَّا الْمَدَدُ فَيُعْتَبَرُ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ شُهُودَ انْجِلَاءِ الْحَرْبِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ فِيمَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ يُعْطَى وَرَثَتُهُ نَصِيبَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَمْلِكُ الْغَنِيمَةَ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمِلْكِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. فَعَلَى هَذَا إنَّمَا ثَبَتَ لَهُمْ حَقُّ التَّمَلُّكِ كَالشَّفِيعِ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ أَوْ الْمُطَالَبَةِ فَلَا حَقَّ لَهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّ الْحَقَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ بِدُونِ الْقَبُولِ وَالْمُطَالَبَةِ وَإِنْ قَالُوا اخْتَرْنَا الْقِسْمَةَ لَزِمَتْ حُقُوقُهُمْ وَلَمْ تَسْقُطْ بِالْإِعْرَاضِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْقَطُوا حُقُوقَهُمْ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ وَيَصِيرُ فَيْئًا فَإِنْ أُسْقِطَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَالْكُلُّ لِمَنْ يَسْقُطُ حَقُّهُ.
(وَمِنْهَا) حَقُّ مَنْ وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فِي الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِمَّا مَلَكَهُ الْكُفَّارُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ التَّمْلِيكِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَخَرَّجَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى الْخِلَافِ فِي حَقِّ الْغَانِمِينَ.
(وَمِنْهَا) حَقُّ الزَّوْجِ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ فِيهِ الْمِلْكُ قَهْرًا أَوْ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ فَلَا يَمْلِكُ بِدُونِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ وَعَلَى الثَّانِي فَتَكْفِي فِيهِ الْمُطَالَبَةُ وَاخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ كَرُجُوعِ الْأَبِ وَزَعَمَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ أَنَّ هَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَفْوِ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هَلْ هُوَ الزَّوْجُ أَوْ الْوَلِيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ طَلَبَ الْعَفْوَ مِنْ الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَالِكُ فَإِنَّ الْعَفْوَ يَصِحُّ عَمَّا يَثْبُتُ فِيهِ حَقُّ التَّمَلُّكِ كَالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِنَا أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ