فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، وَالْخَلَّالُ فِي كِتَابِ الْقُرْعَةِ مِنْ الْجَامِعِ
وَمِنْهَا: غِرَاسُ الْغَاصِبِ وَبِنَاؤُهُ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ لِلْمَالِكِ قَلْعَهُ مَجَّانًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ لَا يَقْلَعُ بَلْ يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ أَيْضًا وَمِمَّنْ حَكَاهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ لَهُمَا وَخَرَّجَاهَا فِي خِلَافَيْهِمَا مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّبْغِ، وَنَصَّ عَلَيْهَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا أَوْ دَارًا وَبَنَى فِيهَا قَالَ يُعْجِبُنِي أَنْ يَغْرَمَ الْبِنَاءَ وَيُغَطَّى لِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ الْغَاصِبُ بِنَاءً أَضَرّ بِرَبِّ الْأَرْضِ فِي الْخَرَابِ وَالْهَدْمِ وَيَكُونُ أَيْضًا ذَهَاب مَالِ الْغَاصِبِ فِي الْآجُرِّ وَالْجِصِّ وَكُلِّ شَيْءٍ وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ هَانِئٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ اكْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا أَشْجَارًا وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ لَا يَغْرِسَ فِيهَا غَيْرَهُ فَغَرَسَ فِيهَا شَجَرًا يَعْنِي غَيْرَ مَا اشْتَرَطَهُ وَأَثْمَرَ الشَّجَرُ وَأَرَادَ أَنْ يَقْلَعَ الْغِرَاسَ قَالَ لَا يَقْلَعُ الشَّجَرَ مِنْ الْأَرْضِ [لِئَلَّا] يَضُرَّ بِهِمَا جَمِيعًا، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلَا يَقْلَعُ إلَّا مَضْمُونًا لِغَرْسِ الْمُسْتَعِيرِ كَذَلِكَ حَكَاهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فَلِذَلِكَ يَمْلِكُ بِالْقِيمَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْقَلْعُ بِدُونِ ضَرَرٍ.
وَمِنْهَا: إذَا بَنَى الْوَارِثُ فِي الْأَرْضِ الْمُوصَى بِهَا قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى إنْ كَانَ غَيْرَ عَالَمٍ بِالْوَصِيَّةِ فَهُوَ مُحْتَرِمٌ يَتَمَلَّكُ بِقِيمَتِهِ غَيْرَ مَقْلُوعٍ وَجْهًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْوَصِيَّةِ فَكَذَلِكَ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَقْلَعَ بِنَاءَهُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَهُ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِمَنْ لَا يَعْرِفُ حُمِلَتْ وَصِيَّتُهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُفَرِّقَهَا فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْوَارِثَ إذَا بَنَى وَهُوَ عَالِمٌ بِالْوَصِيَّةِ أَنَّ بِنَاءَهُ لَا يُقْلَعُ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَبِنَاءِ الْغَاصِبِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْعَالِمِ فَبِنَاؤُهُ كَبِنَاءِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ أَنَّ الْبِنَاءَ لِلْوَرَثَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَمَلُّكِهِ عَلَيْهِمْ وَلَا لِقَلْعِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُحْتَرِمٌ وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُهُ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ، أَمَّا إنْ قِيلَ يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ أَوْ يَتَبَيَّنُ بِقَبُولِهِ مِلْكَهُ بِالْمَوْتِ فَالْبِنَاءُ فِي الْأَرْضِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ تَفْرِيطٌ وَعُدْوَانٌ.
وَمِنْهَا: مَنْ كَانَ فِي أَرْضِهِ نَخْلَةٌ لِغَيْرِهِ فَلَحِقَ صَاحِبَ الْأَرْضِ ضَرَرٌ بِدُخُولِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ ذَكَرَ لَهُ الْحَدِيثَ الَّذِي وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ صَاحِبَهَا أَنْ يَبِيعَ فَأَبَى فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَاقِلَ فَأَبَى فَأَمَرَهُ أَنْ يَهَبَ فَأَبَى «فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ مُضَارٌّ، اذْهَبْ فَاقْلَعْ نَخْلَهُ» قَالَ أَحْمَد كُلَّمَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَجَابَ وَإِلَّا جَبَرَهُ السُّلْطَانُ، وَلَا يَضُرُّ بِأَخِيهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِيهِ مِرْفَقٌ لَهُ وَالْحَدِيثُ الْمُشَارُ إلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ وَأَوْرَدَهُ الْخَلَّالُ فِي الْجَامِعِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
وَلَا يُقَالُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِضَمَانِ النَّقْصِ فَيَكُونُ كَغَرْسِ الْغَاصِبِ فَكَيْفَ يَتَمَلَّكُ لِأَنَّا قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي غَرْسِ [الْغَاصِبِ] وَأَيْضًا فَالْأَمْرُ بِالْقَلْعِ هُنَا إنَّمَا كَانَ عِنْدَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْمُضَارَّةِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ قَبُولِ