أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لِأَنَّ الْأَسِيرَ يَجِبُ عَلَيْهِ افْتِدَاءُ نَفْسِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ الْأَسْرِ فَإِذَا فَدَاهُ غَيْرُهُ فَقَدْ أَدَّى عَنْهُ وَاجِبًا رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يَحْكُوا فِي الرُّجُوعِ هَهُنَا خِلَافًا وَحَكَى الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى يَتَوَقَّفُ الرُّجُوعُ عَلَى الْإِذْنِ.
وَهَلْ يُعْتَبَرُ لِلرُّجُوعِ هَهُنَا نِيَّةٌ أَمْ يَكْفِي إطْلَاقُ النِّيَّةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الرُّجُوعِ لِقَضَاءِ الدُّيُونِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي.
وَالثَّانِي: يَرْجِعُ مَا لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمُحَرَّرِ لِلْأَثَرِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ انْفِكَاكَ الْأَسْرَى مَطْلُوبٌ شَرْعًا فَيُرَغَّبُ فِيهِ بِتَوْسِعَةِ طَرَفِ الرُّجُوعِ لِئَلَّا تَقِلَّ الرَّغْبَةُ فِيهِ.
وَمِنْهَا: نَفَقَةُ الرَّقِيقِ وَالزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالْبَهَائِمِ إذَا امْتَنَعَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ فَلَهُ الرُّجُوعُ كَقَضَاءِ الدُّيُونِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ.
وَمِنْهَا: لَوْ أَنْفَقَ عَلَى عَبْدِهِ الْآبِقِ فِي حَالِ رَدِّهِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ جُعْلًا عَلَى الرَّدِّ عِوَضًا عَنْ بَذْلِهِ مَنَافِعَهُ فَلَأَنْ يَجِبَ لَهُ الْعِوَضُ عَمَّا بَذَلَهُ مِنْ الْمَالِ فِي رَدِّهِ أَوْلَى، وَاشْتَرَطَ أَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ الْعَجْزَ عَنْ اسْتِئْذَانِ الْمَالِكِ وَضَعَّفَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَلَا يَتَوَقَّفُ الرُّجُوعُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَوْ أَبِقَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُنْقَطِعِ بِمَهْلَكَةٍ وَحَكَى أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ أَبِي مُوسَى فِي الرُّجُوعِ بِنَفَقَتِهِ رِوَايَتَيْنِ، وَلَوْ أَرَادَ اسْتِخْدَامَهُ بَدَلَ النَّفَقَةِ فَفِي جَوَازِهِ رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الْفَتْحِ الْحَلْوَانِيُّ فِي الْكِفَايَةِ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ.
وَمِنْهَا: نَفَقَةُ اللُّقَطَةِ حَيَوَانًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ إلَى مُؤْنَةٍ وَإِصْلَاحٍ فَإِنْ كَانَتْ بِإِذْنِ حَاكِمٍ رَجَعَ بِهَا لِأَنَّ إذْنَهُ قَائِمٌ مَقَامَ إذْنِ الْغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَجِّحُ هَاهُنَا عَدَمَ الرُّجُوعِ لِأَنَّ حِفْظَهَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيَّنًا بَلْ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا أَنْفَقَ غَيْرَ مُطَوَّعٍ بِالنَّفَقَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَسَبًا فِي الرُّجُوعِ رِوَايَتَانِ.
وَمِنْهَا: نَفَقَةُ اللَّقِيطِ خَرَّجَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَرْجِعُ هَهُنَا قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَيْهِ مَيْلُ صَاحِبِ الْمُغْنِي لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى الْمُلْتَقِطِ وَنَصَّ أَحْمَدُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ.
وَمِنْهَا: الْحَيَوَانُ الْمُودَعُ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْتَوْدَعُ نَاوِيًا لِلرُّجُوعِ فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُ مَالِكِهِ رَجَعَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ فَطَرِيقَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَوْلَى لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ حُرْمَةً فِي نَفْسِهِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الدُّيُونِ أَحْيَانًا وَهِيَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُغْنِي.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يَرْجِعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهِيَ ي طَرِيقَةُ الْمُحَرَّرِ وَمُتَابَعَةٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ لَكِنْ مَنْ اعْتَبَرَ الرُّجُوعَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ بِعُذْرِ الْإِذْنِ فَهَهُنَا أَوْلَى وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ وَاعْتَبَرَهُ هَهُنَا فَالْفَرْقُ أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ فِيهِ بَرَاءٌ لِذِمَّتِهِ وَتَخْلِيصٌ لَهُ مِنْ الْغَرِيمِ وَهَهُنَا اشْتِغَالٌ لِذِمَّتِهِ بِدَيْنٍ لَمْ تَكُنْ مُشْتَغِلَةً بِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَيُنْتَقَضُ بِنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ