وَمِنْهَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمَالٍ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو ثُمَّ رَجَعَا وَقَدْ قَبَضَهُ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو ثُمَّ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمَا الضَّمَانُ، وَلَوْ كَانَ دَيْنًا فَأَبْرَأَهُ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسَائِلِ الْأُولَى لِأَنَّ الضَّمَانَ لَزِمَهُمَا بِوُجُوبِ التَّغْرِيمِ وَعَوْدِ الْعَيْنِ إلَى الْغَارِمِ مِنْ الْمَحْكُومِ لَهُ بِهِبَةٍ لَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ كَمَا لَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الرَّدِّ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ لِتَحَمُّلِ مِنَّتِهِ نَعَمْ يَتَخَرَّجُ الْقَوْلُ بِسُقُوطِ الضَّمَانِ هُنَا إذَا قُلْنَا بِبَرَاءَةِ الْغَاصِبِ بِإِعَادَةِ الْمَالِ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ هِبَةً لِأَنَّهُمَا اعْتَرَفَا بِأَنَّهُ قَبَضَهُ عُدْوَانًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ هِبَةً، وَأَمَّا إذَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى شَهَادَتِهِمَا غُرْمٌ فَلِذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُمَا الضَّمَانُ.
وَمِنْهَا لَوْ قَضَى الضَّامِنُ الدَّيْنَ ثُمَّ وَهَبَهُ الْغَرِيمُ مَا قَضَاهُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ.
وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ قَضَى الدَّيْنَ بِنَقِيضِهِ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِمَا قَضَى وَجَعَلُوهُ كَالْمُقْرِضِ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا غَرِمَ لَكِنَّ هَذَا فِي الْإِبْرَاءِ وَالْمُسَامَحَةِ ظَاهِرٌ فَأَمَّا إنْ قَضَى الدَّيْنَ لِكَمَالِهِ ثُمَّ وَهَبَهُ الْغَرِيمُ مِنْهُ فَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ وَالسِّتُّونَ) : إيقَاعُ الْعِبَادَاتِ أَوْ الْعُقُودِ أَوْ غَيْرِهِمَا مَعَ الشَّكِّ فِي شَرْطِ صِحَّتِهَا هَلْ يَجْعَلُهَا كَالْمُعَلَّقَةِ عَلَى تَحْقِيقِ ذَلِكَ الشَّرْطِ أَمْ لَا؟ هِيَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ الْجَازِمَةُ
فَلَا يَصِحُّ إيقَاعُهُ بِهَذَا التَّرَدُّدِ مَا لَمْ يَكُنْ الشَّكُّ غَلَبَةَ ظَنٍّ تَكْفِي مِثْلَهُ فِي إيقَاعِ الْعِبَادَةِ أَوْ الْعَقْدِ كَغَلَبَةِ الظَّنِّ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَطَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ إذَا صَلَّى يَظُنُّ نَفْسَهُ مُحْدِثًا فَتَبَيَّنَ مُتَطَهِّرًا.
وَمِنْهَا لَوْ شَكَّ هَلْ ابْتَدَأَ [مُدَّةَ] مَسْحِ الْخُفَّيْنِ فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ فَمَسَحَ يَوْمًا آخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَضَرِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ابْتَدَأَهَا فِي السَّفَرِ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ وَهَلْ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمُغْنِي لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَصِحُّ مَعَ الشَّكِّ فِي سَبَبِهِ كَمَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ فَتَوَضَّأَ يَنْوِي رَفْعَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ مُحْدِثًا.
وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ إبَاحَتُهَا فَلَمْ يَصِحَّ كَمَنْ قَصَرَ وَهُوَ يَشُكُّ فِي جَوَازِ الْقَصْرِ.
وَمِنْهَا [لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ إنَاءٍ مُشْتَبَهٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ طَاهِرٌ لَمْ تَصِحَّ طَهَارَتُهُ فِي الْمَشْهُورِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ يَصِحُّ وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ الْجَزْمَ بِصِحَّةِ الْوُضُوءِ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا سَبَقَ] .
وَمِنْهَا لَوْ تَوَضَّأَ شَاكًّا فِي الْحَدَثِ أَوْ صَلَّى مَعَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَنَوَى الْفَرْضَ إنْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ الْوَقْتُ قَدْ دَخَلَ وَإِلَّا