الصَّائِمِ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْجِمَاعِ وَحْدَهُ بَلْ تَحْصُلُ بِأُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ بِأَحَدِ جُزْأَيْ الْجِمَاعِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْإِنْزَالِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مُسَمَّى الْوَطْءِ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ مُسَمَّى الْوَطْءِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: أَنْ يَتَعَمَّدَ الشُّرُوعَ فِي فِعْلٍ مُحَرَّمٍ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ ثُمَّ يُرِيدُ تَرْكَهُ وَالْخُرُوجَ مِنْهُ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ فَيَشْرَعُ فِي التَّخَلُّصِ مِنْهُ بِمُبَاشَرَةٍ أَيْضًا
، كَمَنْ تَوَسَّطَ دَارًا مَغْصُوبَةً ثُمَّ تَابَ وَنَدِمَ وَأَخَذَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا، أَوْ طَيَّبَ الْمُحْرِمُ بَدَنَهُ عَامِدًا ثُمَّ تَابَ، وَشَرَعَ فِي غَسْلِهِ بِيَدِهِ قَصْدًا لِإِزَالَتِهِ، أَوْ غَصَبَ عَيْنًا ثُمَّ نَدِمَ وَشَرَعَ فِي حَمْلِهَا عَلَى رَأْسِهِ إلَى صَاحِبِهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَالْكَلَامُ هَهُنَا مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا: هَلْ تَصِحُّ التَّوْبَةُ فِي هَذَا الْحَالِ وَيَزُولُ الْإِثْمُ بِمُجَرَّدِهَا، أَوْ لَا يَزُولُ حَتَّى يَنْفَصِلَ عَنْ مُلَابَسَةِ الْفِعْلِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ تَوْبَتَهُ صَحِيحَةٌ وَيَزُولُ عَنْهُ الْإِثْمُ بِمُجَرَّدِهَا وَيَكُونُ تَخَلُّصُهُ مِنْ الْفِعْلِ طَاعَةً وَإِنْ كَانَ مُلَابِسًا لَهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ مَعْصِيَةً، وَلَا يُقَالُ مِنْ شَرْطِ التَّوْبَةِ الْإِقْلَاعُ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْإِقْلَاعُ بِعَيْنِهِ وَأَيْضًا فَالْإِقْلَاعُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ دُونَ الْعَجْزِ، كَمَا لَوْ تَابَ الْغَاصِبُ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ تَوَسَّطَ جَمْعًا مِنْ الْجَرْحَى الصَّحِيحُ ثُمَّ تَابَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ أَقَامَ قَتَلَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَإِنْ انْتَقَلَ قَتَلَ غَيْرَهُ لَكِنَّ هَذَا مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَيْضًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ حَرَكَاتِ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ فِي جُرُوحِهِ لَيْسَتْ طَاعَةً وَلَا مَأْمُورًا بِهَا بَلْ هِيَ مَعْصِيَةٌ وَلَكِنَّهُ يَفْعَلُهَا لِدَفْعِ أَكْبَرِ الْمَعْصِيَتَيْنِ بِأَقَلِّهِمَا وَأَبُو الْخَطَّابِ وَإِنْ قَالَ لَيْسَتْ طَاعَةً هُوَ يَقُولُ لَا إثْمَ فِيهَا بَلْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا وَهُوَ مَعْنَى الطَّاعَةِ وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى جَوَازِ الْخِلَافِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْوَطْءِ فِي مَسَائِلِ النَّوْعِ الثَّالِثِ فَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ امْتِثَالًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مَعْصِيَةً وَإِنْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهِ لَزِمَ تَحْرِيمُ التَّرْكِ هَهُنَا وَقَدْ يُفَرَّقُ بِالتَّحْرِيمِ ثُمَّ طَارَ وَهُنَا مُسْتَصْحَبٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ ثُمَّ الْجَوَازُ هُنَا، وَيَلْزَمُ مِنْ التَّحْرِيمِ هُنَاكَ التَّحْرِيمُ هَهُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَالْمَقَامُ الثَّانِي فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ فَمِنْهَا غَسْلُ الطِّيبِ بِيَدِهِ لِلْمُحْرِمِ يَجُوزُ لِأَنَّ تَرْكَ الطِّيبِ لَا فِعْلَ لَهُ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الَّذِي أَحْرَمَ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْسِلَهُ عَنْهُ، وَلَكِنَّ هَذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ فَهُوَ كَمَنْ تَطَيَّبَ بَعْدَ إحْرَامِهِ نَاسِيًا فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَخَصَّ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ الْحُكْمَ بِالنَّاسِي وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْعَامِدَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ مُتَخَرَّجٌ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي كَوْنِهِ مَعْصِيَةً، وَالصَّحِيحُ التَّعْمِيمُ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ إنَّمَا جَازَتْ ضَرُورَةً لِلْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْمُحْرِمُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ بِالْغَسْلِ بِيَدِهِ، فَلَمَّا أَذِنَ الشَّارِعُ فِيهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُبَاشَرَةَ