وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَعَّدَ تَارِكِيهِ كَالَّذِي يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِنَّهُ حَرَكَتُهُ وَرَفْعُهُ، وَهُوَ ضِدُّ حَالِ الْخَاشِعِ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ؟ " فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: " لِيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» "، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَفِيهِ نَاسٌ يُصَلُّونَ رَافِعِي أَبْصَارِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: " لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ يُشْخِصُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبْصَارُهُمْ» " الْأَوَّلُ: فِي الْبُخَارِيِّ وَالثَّانِي: فِي مسلم، وَكِلَاهُمَا فِي سُنَنِ أبي داود وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: " «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1 - 2] لَمْ يَكُنْ يُجَاوِزُ بَصَرُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ» " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ.
فَلَمَّا كَانَ رَفْعُ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ يُنَافِي الْخُشُوعَ حَرَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الِالْتِفَاتُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَهُوَ يُنْقِصُ الْخُشُوعَ وَلَا يُنَافِيهِ. فَلِهَذَا كَانَ يُنْقِصُ الصَّلَاةَ كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وأبو داود وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: " هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» ".