ثُمَّ إِنَّ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَدْ يَقُولُ: التَّسْبِيحُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ ظَاهِرَهُمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ جَمِيعًا، فَإِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْقَوْلِ لَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَ الْفِعْلِ
وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ التَّسْبِيحِ فَيَسْتَدِلُّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] [ق: 39] وَهَذَا أَمْرٌ بِالصَّلَاةِ كُلِّهَا، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا، ثُمَّ قَرَأَ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] » .
وَإِذَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمَّى الصَّلَاةَ تَسْبِيحًا فَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ التَّسْبِيحِ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا سَمَّاهَا قِيَامًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 2] [الْمُزَّمِّلِ] دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْقِيَامِ، وَكَذَلِكَ لَمَّا سَمَّاهَا قُرْآنًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78] [الْإِسْرَاءِ: 78] دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْقُرْآنِ فِيهَا، وَلَمَّا سَمَّاهَا رُكُوعًا وَسُجُودًا فِي مَوَاضِعَ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِيهَا.
وَذَلِكَ: أَنَّ تَسْمِيَتَهَا بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَازِمَةٌ لَهَا، فَإِذَا وُجِدَتِ الصَّلَاةُ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ، فَتَكُونُ مِنَ الْأَبْعَاضِ اللَّازِمَةِ، كَمَا أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْإِنْسَانَ بِأَبْعَاضِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ