قِيلَ: لَيْسَ فِي شَرِيعَتِنَا ذَنْبٌ إِذَا فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَخْرَجٌ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ إِلَّا بِضَرَرٍ عَظِيمٍ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا. فَهَبْ أَنَّ هَذَا قَدْ أَتَى كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ فِي حَلِفِهِ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ تَابَ مِنْ تِلْكَ الْكَبِيرَةِ، فَكَيْفَ يُنَاسِبُ أُصُولَ شَرِيعَتِنَا أَنْ يَبْقَى أَثَرُ ذَلِكَ الذَّنْبِ عَلَيْهِ، لَا يَجِدُ مِنْهُ مَخْرَجًا؟ وَهَذَا بِخِلَافِ الَّذِي يُنْشِئُ الطَّلَاقَ، لَا بِالْحَلِفِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا وَهُوَ مُرِيدٌ لِلطَّلَاقِ: إِمَّا لِكَرَاهَتِهِ لِلْمَرْأَةِ، أَوْ غَضَبِهِ عَلَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا، فَإِذَا كَانَ إِنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِالطَّلَاقِ بِاخْتِيَارِهِ، [وَوَالَى] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، كَانَ وُقُوعُ الضَّرَرِ فِي مِثْلِ هَذَا نَادِرًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ لَمْ يَكُنِ الطَّلَاقُ، وَإِنَّمَا كَانَ أَنْ يَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَفْعَلَهُ. ثُمَّ قَدْ يَأْمُرُهُ الشَّرْعُ، أَوْ تَضْطَرُّهُ الْحَاجَةُ إِلَى فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ، فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لَهُ وَلَا لِسَبَبِهِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَابِ الْأَيْمَانِ: تَخْفِيفُهَا بِالْكَفَّارَةِ، لَا تَثْقِيلُهَا بِالْإِيجَابِ أَوِ التَّحْرِيمِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَرَوْنَ الظِّهَارَ طَلَاقًا، وَاسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى ظَاهَرَ أوس بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنِ امْرَأَتِهِ.
وَأَيْضًا: فَالِاعْتِبَارُ بِنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَرْقِ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَسَنُبَيِّنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَدَمَ تَأْثِيرِهِ. وَالْقِيَاسُ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ أَصَحُّ مَا يَكُونُ مِنَ الِاعْتِبَارِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ.
وَذَلِكَ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ: إِنْ أَكَلْتُ أَوْ شَرِبْتُ فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ