وَأَمَّا قَوْلُهُ: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ» ، فَهَذَا اللَّفْظُ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيُّ: أَنَّهُ رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ كُلِّهِمْ ثِقَاتٌ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَكِنَّ نَظِيرَهُ فِي السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ إِجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ الْمُنَادِي وَالصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ: مِنَ الْوَاجِبَاتِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: «أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي، فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ قَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً» .
لَكِنْ إِذَا تَرَكَ هَذَا الْوَاجِبَ فَهَلْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَيُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنَ الصَّلَاةِ، أَمْ يُقَالُ: إِنَّ الصَّلَاةَ بَاطِلَةٌ، عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا كَأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا؟
هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ، وَمَا انْتَقَصْتَ مِنْ هَذَا فَإِنَّمَا انْتَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِكَ» .
فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْكَمَالَ الَّذِي نُفِيَ هُوَ هَذَا التَّمَامُ الَّذِي ذَكَرَهُ