[الْمَائِدَةِ: 1] ، وَالْعُقُودُ هِيَ الْعُهُودُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} [الأنعام: 152] [الْأَنْعَامِ: 152] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34] [الْإِسْرَاءِ: 34] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} [الأحزاب: 15] [الْأَحْزَابِ] . فَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ، وَهَذَا عَامٌّ، وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللَّهِ وَبِالْعَهْدِ. وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا عَقَدَهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ} [الأحزاب: 15] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَهْدَ اللَّهِ يَدْخُلُ فِيهِ مَا عَقَدَهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِنَفْسِ ذَلِكَ الْمَعْهُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَهْدِ، كَالنَّذْرِ وَالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْوَفَاءِ بِهِ، وَلِهَذَا قَرَنَهُ بِالصِّدْقِ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} [الأنعام: 152] [الْأَنْعَامِ: 142] ، لِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْقَوْلِ خَبَرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ، وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ يَكُونُ فِي الْقَوْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ - فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ - فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 75 - 77] [التَّوْبَةِ] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] [النِّسَاءِ: 1] ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ - كالضحاك وَغَيْرِهِ -: تَسَاءَلُونَ بِهِ: تَتَعَاهَدُونَ وَتَتَعَاقَدُونَ. وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَطْلُبُ مِنَ الْآخَرِ مَا أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَجَمَعَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَسَائِرِ السُّورَةِ أَحْكَامَ الْأَسْبَابِ الَّتِي بَيْنَ بَنِي آدَمَ، الْمَخْلُوقَةِ: كَالرَّحِمِ، وَالْمَكْسُوبَةِ: كَالْعُقُودِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الصِّهْرُ وَوِلَايَةُ مَالِ الْيَتِيمِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 91]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015