قالها) إلى أن قال: (فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة، كما قال الله تعالى: {لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان" اه كلامه.
وبهذا علم أن المقالة أو الفعلة قد تكون كفرًا أو فسقا، ولا يلزم من ذلك أن يكون القائم بها كافرًا أو فاسقا، إما لانتفاء شرط التكفير أو التفسيق أو وجود مانع شرعي يمنع منه.
ومن تبين له الحق فأصر على مخالفته تبعا لاعتقاد كان يعتقده، أو متبوع كان يعظمه، أو دنيا كان يؤثرها، فإنه يستحق ما تقتضيه تلك المخالفة من كفر أو فسوق.
فعلى المؤمن أن يبني معتقده وعمله على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيجعلهما إماما له، يستضيء بنورهما ويسير على منهاجهما، فإن ذلك هو الصراط المستقيم الذي أمر الله تعالى به، في قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
وليحذر ما يسلكه بعض الناس من كونه يبني معتقده أو عمله على مذهب معين، فإذا رأى نصوص الكتاب والسنة على خلافه حاول صرف هذه النصوص إلى ما يوافق ذلك المذهب على وجوه متعسفة، فيجعل الكتاب والسنة تابعين لا متبوعين، وما سواهما إماما لا تابعا، وهذه طريق من طرق أصحاب الهوى، لا أتباع الهدى، وقد ذم الله هذه الطريق في قوله: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} .