والمشقة لها أنواع ثلاثة: النوع الأول: مشقة لا يمكن أن تخلو عن طاعة بحال من الأحوال، وقال فيها العلماء: هذه المشقة تسمى مشقة معتادة؛ لأن الله جل في علاه كلف المكلف بأوامر ليتعبد بها لله جل في علاه، وهذه الأوامر لا تخلو من مشقة بحال من الأحوال، واسمها تكليفات، والتكليف فيه نوع من الكلفة، أي: نوع من المشقة.
وهذه المشقة التي تصاحب العبادة كقيام الليل وكالهزال الذي يحدث في الصيام، وكبعض الصداع الخفيف الذي يأتي للصائم، وكحب المال عند إخراجه في الزكاة، فكل هذه المشقات معتادة، ويجب على الإنسان أن يحتملها، ولا يمكن أن تطبق فيها قاعدة المشقة تجلب التيسير.
النوع الثاني: مشقة تحتمل، لكنها أعظم من المشقة الأولى، وهذه المشقة هي التي يطبق فيها قاعدة المشقة تجلب التيسير، كالمرض والسفر والإكراه، فهذه مشقاق متوسطة ممكن أن تحتمل، وأن يترخص فيها المرء.
وهذه المشاق فيها رخصة وفيها عزيمة، كالصيام في السفر فإن من أراد أن يأخذ الأجر مضاعفاً فعليه أن يصوم في السفر، وهذا مستنبط من قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (أجرك على قدر نصبك ونفقتك) أي: على قدر نصبك أيضاً: فالأجر على قدر المشقة، ولذلك قال العلماء: مضاعفة الأجر على قدر المشقة.
وإما أن يترخص فيفطر ولا شيء عليه، كما قال الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، وليس أجره كالأول، ومثلها قصر الصلاة في السفر.
وأما النوع الثالث: مشقة لا تحتمل، كالجوع القاتل، ولم يجد المرء طعاماً إلا الميتة، فهذا لا ترخيص له، ولا نظر لرخصة ولا عزيمة، بل هذا فيه العزيمة فقط، فيجب عليه في مثل هذه المشقة أن يستجلب التيسير، وإلا سيأثم عند ربه جل في علاه، ويحاكم بأنه قتل نفسه.
فلو وقفت اللقمة في حلقه ولا يستطيع دفعها إلا بالخمر، ولا يوجد ماء بحال من الأحوال، فلو لم يشرب الخمر فمات مات على معصية؛ لأنه قاتل نفسه عند ربه جل في علاه، بل يجب عليه أن يأخذ بالرخصة وأن يدفع الغصة بالخمر، وتكون هذه الرخصة عزيمة إن هو أخذ بها؛ لأنه يعزم عليه ذلك.