الفارق بين التعريف الأخير وبين التعريف الأول أن الأول قال فيه: هي قضية كلية تنطبق على كل الجزئيات، وقال في الثاني: هي قضية أغلبية؛ لأن هناك نوادر ومستثنيات تخرج منها، وبالمثال يتضح المقال: بيع المعدوم ما حكمه؟ بيع المعدوم لا يصح، هذا حكمه والدليل ما ورد في صحيح مسلم: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر)، والغرر: هو كل بيع غائب أو معدوم، فحكمه حرام.
إذاً: فالقضية الكلية أو القاعدة العامة التي نتكلم عنها الآن: هي الغرر، وحكمه التحريم.
فننظر في تعريف العلماء للقاعدة: هي قضية أكثرية أغلبية؛ لأنه يستثنى منها استثناءات، كبيع السلم، والسلم هذا بيع معدوم، والسلم كما في الصحيح أن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكانوا يسلمون -أو يسلفون- في التمر السنة والسنتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أسلف فليسلف في شيء معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)، فضبطه عليه الصلاة والسلام بضوابط.
والسلم معناه: أن تأتي برجل زارع ليس عنده الثمرة الآن لكن هو يصف لك هذا الثمر ويقول: هو كذا وكذا وكذا ويقول: أنا سأبيع عليك مثلاً: الوسق بخمسين أو الوسق بستين فتقول له: كم تخرج هذه المزرعة وسقاً؟ فيقول مثلاً: مائة وسق، أو ألف وسق، فيضرب لك الحساب وتعطيه الثمن.
من شروط السلم: أن تعطيه الثمن مقدماً، ثم يأتيك هو بالسلعة بنفس الوصف الموصوف في الذمة وبنفس الوقت المحدود، وبذلك يتم البيع، فهذا السلم من بيع المعدوم، ولذلك قال العلماء: هذا مستثنى من القاعدة الكلية، وهذا الذي جعل الشافعي يقول: إن المستثنى لا يقاس عليه، أي: ما خرج عن القياس فغيره عليه لا ينقاس فمثلاً: لو أن رجلاً يعمل سائقاً عند رجل فقال له: لك (25%) من الربح، فقاسه على السلم، نقول: هذه إجارة ناقصة الشروط، فلا تصح، بل لا بد أن تعلن الإجارة، وهذه ترد -كما قلت- في قاعدة: ما خرج عن القياس، غيره عليه لا ينقاس، فالعلماء قالوا: السلم بيع معدوم وهو مستثنى من الأصل.
أيضاً الاستصناع، وهو طلب الصنعة، وهو مشهور عندنا في الإسكندرية، ويعني: أن تشتري الشقة التي في الهواء، قبل بناء البيت، فهذا اسمه استصناع، يعني: يستصنع لك بالرسم الهندسي ويبين لك الشقة برسم معين.
إذاً: فالتعريف الثاني هو الراجح الصحيح، وهو أن القاعدة الفقهية هي حكم أغلبي -أو حكم أكثري- ينطبق على أكثر الجزئيات.