وهناك مسألة وهي: إذا اقترض رجل قرضاً ثم رده بزيادة دون شرط مسبق، وإنما المقترض زاد هذه الزيادة من نفسه إكراماً للمقرض الذي أقرضه في وقت الضيق.
المسألة فيها أقوال ثلاثة: الجواز مطلقاً.
والمنع مطلقاً.
والتفصيل.
أما المنع مطلقاً فقال به بعض العلماء؛ وذلك لعموم هذه القاعدة: (كل قرض جر نفعاً فهو ربا)، فسواء كان مشروطاً أو غير مشروط.
قالوا: ولأن هذا قد يكون ذريعة إلى الربا، فإنه إذا اشتهر عن رجل ما أنه جواد كريم لا يقترض قرضاً إلا ويرده بزيادة، فالناس سوف يسارعون إلى إقراضه للنفع الذي سيأتي منه، فهو ذريعة إذاً إلى الربا.
وهذا القول من القوة بمكان.
القول الثاني: الجواز مطلقاً، أي: كماً أو كيفا، ًوهذا القول قول الجماهير من الفقهاء، كالشافعية والأحناف، واستدلوا على ذلك بحديث أبي رافع: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال: أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء).
وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا يدل على الجواز، وهذا مخصص لعموم القاعدة: (كل قرض جر نفعاً فهو ربا).
ومن الأدلة: حديث جابر رضي الله عنه، حيث قال: (فقضاني النبي وزادني) يعني: أعطاني الثمن الذي قاله لي وزادني عليه، فهذا فيه دلالة أيضاً على أن الزيادة جائزة.
وفي السنن بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله فاستسلف له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياه، فجاء الرجل يتقاضاه فأعطاه وسقاً، وقال: نصف لك قضاء، ونصف لك نائل من عندي).
فهذه الأدلة فيها دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى زيادة كماً وكيفاً، أما كيفاً فكما في حديث أبي رافع، وأما كماً فكما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.
القول الثالث: التفصيل: وهو قول المالكية حيث قالوا: نقول بالتفريق والتفصيل، أي: أنه تجوز الزيادة كيفاً ولا كماً، والسبب أن حديث الجمل -حديث أبي رافع - الذي في الصحيح، واقعة حال لا تعمم.
والرد عليهم أن هذه الأدلة قد غابت عنكم، فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى زيادة في الكم وزيادة في الكيف.
لكن إذا كانت هذه ذريعة وعلمنا أن الرجل الذي يعطي القرض يريد الزيادة فلابد أن يمنع، لقاعدة ستأتينا فيما بعد وسنختم بها إن شاء الله تعالى، وهي شبيهة بهذه.