المثال الثالث في ذلك: سجود السهو: فلو أن رجلاً سها في صلاته لكان عليه أن يسجد سجود السهو, ولكنه لا يعرف هل يسجد قبل السلام أم بعده.
والخلاف بين العلماء على أقوال ثلاثة: قبل السلام, وهذا قول الشافعي.
القول الثاني قول الأحناف: أن كل السجود بعد السلام.
والمالكية هم الذين قالوا بالفرق بين السهو بالزيادة والنقصان، فإذا زاد في الصلاة فيكون السجود بعد السلام, للحديث الصحيح في البخاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أتم الركعتين سلم)، وهذا حديث يدل على أن الزيادة يكون السجود فيها بعد السلام.
وحديث عبد الله بن بحينة في السنن (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجلس للتشهد في الركعتين الأوليين، فبعد ما أكمل انتظر الناس سلامه فلم يسلم فكبر وسجد ثم سلم) فهو أنقص من الصلاة التشهد الأوسط, فسجد قبل السلام، وهذا حديث ظاهر جداً في أن سجود السهو يكون قبل السلام.
وعن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شك في صلاته فليسجد بعد السلام سجدتين).
وفي رواية أخرى في الصحيح قال: فيها النبي صلى الله عليه (من صلى فلم يدر أصلى ثلاثاً أم أربعاً فليبنِ على ما استيقن وليسجد قبل أن يسلم).
ولكي نعمل الكلام ولا نهمله نقول: إنه إذا زاد المصلي في صلاته سجد للسهو بعد السلام.
وإعمالاً لحديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم نقص من الصلاة في التشهد الأوسط, فسجد قبل السلام فنقول: إنه عند النقصان يكون سجود السهو قبل السلام، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم تارة قال: يسجد قبل السلام، وتارة قال: يسجد بعد السلام, وأرجح الأقوال وهذا الذي تبناه الشوكاني وهو أقوى الأقوال, وهو أنه عند الشك مخير بين أن يسجد قبل السلام أو يسجد بعده, وهذا شامل لكل الأحكام التي تتعلق بكل حديث من هذه الأحاديث, وفيه تطبيق لقاعدة: إعمال الكلام أولى من إهماله.