صور هذه القاعدة كثيرة جداً: منها: امرأة سافرت مع رجال فيهم محارمها وغير محارمها، فطهرت من الحيض، فلابد أن تغتسل، فلم تجد ما تستر به جسدها وهي تريد الصلاة، فإن اغتسلت تكشفت أمام الرجال وهذه فتنة، وإن تركت لم تصح صلاتها.
وهناك دليل يوجب عليها الغسل، ودليل آخر يحرم عليها التكشف أمام الرجال، فلابد أن تطبق القاعدة: إذا اجتمع حاظر ومبيح نقدم أو نغلب الحاظر على المبيح، فنقول لها: لا تغتسلي ولا تتكشفي، ولها أن تتيمم وتصلي.
وهذه المسألة فيها تفصيل فقهي آخر لسنا بصدد الكلام عليه، لكن هنا نغلب الحاظر على المبيح.
ومن صور هذه المسألة أيضاً: رجل كانت امرأته تشبه نساء أخريات، فأراد أن يطأ امرأته فوجدها قاعدة بين شبيهات من النساء، فالدليل الذي يحرم يغلب على الدليل الذي يبيح فنقول: نغلب الحاظر على المبيح، فلا يجوز لك أن تطأ أي امرأة، بل تتركهن جميعاً بما فيهن الزوجة، ولا يجوز لك أن تطأ أي امرأة.
أيضاً من صور هذه المسألة: الشرب قائماً: فالأدلة التي تبيح ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً من ماء زمزم، وأيضاً أوضح من ذلك شرب النبي من شن معلقة قائماً ولم يجلس.
والدليل المحرم هو قول النبي صلى الله عليه وسلم (من شرب قائما فليستقئ).
وأيضاً: حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل كان يشرب قائماً: (أتريد أن يشرب معك الهر؟ قال: لا.
قال: يشرب معك من هو أشر منه الشيطان).
وهذا فيه دلالة على التحريم والأدلة على التحريم كثيرة فاجتمع الحاظر والمبيح عند من لا يعمل بقاعدة إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، فيغلب الحاظر على المبيح فيقول: يحرم الشرب قائماً، والحاظر يكون أقوى؛ لأن الأصل في العبادة الحيطة، ولابد للمرء أن يلتزم في كثير من أحيانه الورع.
أيضاً من صور هذه المسألة: استقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائط: ويتجاذب هذه المسألة دليل مبيح ودليل حاظر؛ فالدليل المبيح هو حديث ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه (رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبلاً بيت المقدس ومستدبر الكعبة).
والحديث الحاظر حديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط، ولكن شرقوا وغربوا) فنغلب الحاظر، فلا يجوز استقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائط.
أيضاً من هذه الصور: إذا دخل الرجل في بلاد الكفر فوجد اللحوم متكاثرة متناثرة؛ لحم غنم ولحم بقر ولحم خنزير ولم يستطع أن يفرق بينها، فنقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وطبق القاعدة، فلا يأكل من أي نوع من الأنواع.
فإذا اجتمع حاظر مع مبيح غلبنا الحاظر، فإذا اجتمع مال حلال مع مال حرام غلبنا حكم الحرام، فإذا غلبنا حكم الحرام قلنا: لا يجوز لك أن تتعامل معه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.