والعلم الثاني: أننا نتفكر فيها ونستخرج منها المنافع المتنوعة، فإن الله سخرها لنا، وسلطنا على استخراج جميع ما لنا فيها من المنافع والخيرات الدينية والدنيوية. فذلل لنا أرضها لنحرثها ونزرعها ونغرسها، ونستخرج معادنها وبركتها، وجعلها طوع علومنا وأعمالنا لنستخرج منها الصناعات النافعة. فجميع فنون الصناعات على كثرتها وتنوعها وتفوقها ـ لاسيما في هذه الأوقات ـ كل ذلك داخل في تسخيرها لنا. وقد عُرفت الحاجة بل الضرورة في هذه الأوقات إلى استنباط المنافع وترقية الصنائع إلى ما لا حد له. وقد ظهر في هذه الأوقات من موادها وعناصرها أمور فيها فوائد عظيمة للخلق.
وقد تقدم لنا في قاعدة اللازم: أن ما لا تتم الأمور المطلوبة إلا به فهو مطلوب. وهذا يدل على أن تعلم الصناعات والمخترعات الحادثة من الأمور المطلوبة شرعاً، كما هي مطلوبة لازمة عقلاً، وأنها من الجهاد في سبيل الله، ومن علوم القرآن.
فإن الله نبه العباد أنه جعل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، وأنه سخر لهم ما في الأرض. فعليهم أن يسعوا لتحصيل هذه المنافع من أقرب الطرق إلى تحصيلها، وهي معروفة بالتجارب.
وهذا من آيات القرآن. وهو أكبر دليل على سعة علم الله وحكمته ورحمته بعباده بأن أباح لهم جميع النعم، ويسر لهم الوصول إليها بطرق لا تزال تحدث وقتاً بعد وقت. وقد أخبر أن القرآن تذكرة يتذكر بها العباد كل ما ينفعهم فيسلكونه وما يضرهم فيتركونه، وأنه هداية لجميع المصالح.