في كثير من الآيات يخبر الله بأنه يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وفي بعضها يذكر مع ذلك الأسباب المتعلقة بالعبد، الموجبة للهداية أو الموجبة للإضلال، وكذلك حصول المغفرة وضدها، وبسط الرزق وتقديره، وذلك في آيات كثيرة، فحيث أخبر أنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، ويرحم من يشاء، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدره على من يشاء.
يدل ذلك على كمال توحيده وانفراده بخلق الأشياء، وتدبير جميع الأمور، وأن خزائن الأشياء كلها بيده، يعطي ويمنع ويخفض ويرفع، فيقتضي مع ذلك من العباد أن يعترفوا بذلك، وأن يعلقوا أملهم ورجاءهم به وحده في حصول كل ما يحبون منها، ودفع كل ما يكرهون، وأن لا يسألوا أحداً غيره، كما في الحديث القدسي: (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم) إلى آخره (?) .
وفي بعض الآيات: يذكر فيها أسباب ذلك، ليعرف العباد الأسباب والطرق المفضية إليها، فيسلكوا النافع ويدعوا الضار، كقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
[الليل: الآيات من 5: 10] فبيَّن أن أسباب الهداية والتيسير إيمان العبد بحكمة ربه في سننه وخلقه وشرعه وأخذه بهذه السنن وانقياده لأمره الشرعي، وأن أسباب الضلال والتعسير ضد ذلك.
وكذلك قوله تعالى في صفة القرآن: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ} [المائدة: 16]
{يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26]