وهذه قاعدة شرعية عقلية فطرية، قد وردت في القرآن وأرشد إليها في مواضع كثيرة.
وذلك: أنه من المعلوم أن محل المعارضات وموضع الاستشكالات وموضع التوقفات ووقت المشاورات إذا كان الشيء فيه اشتباه أو احتمالات فترد عليه هذه الأمور؛ لأنها الطريق إلى البيان والتوضيح.
فأما إذا كان الشيء لا يحتمل إلا معنى واحداً واضحاً، وقد تعينت المصلحة، فالمجادلة والمعارضة من باب العبث، والمعارضُ هنا لا يُلتفت إلى اعتراضاته، لأنه يشبه المكابر المنكر للمحسوسات.
قال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: من الآية256] ،. يعني وإذا تبين هذا من هذا لم يبق للإكراه محل، لأن الإكراه إنما يكون على أمر فيه مصلحة خفية، فأما أمر قد اتضح أن مصالح وسعادة الدارين مربوطة ومتعلقة به، فأي داع للإكراه فيه؟.
ونظير هذا قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: من الآية29] ، أيْ هذا الحق الذي قامت البراهين الواضحة على حقِّيَّته فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
كقوله: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [لأنفال: من الآية42] ، وقال تعالى:
{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} ، [آل عمران: من الآية159] ، أيْ: في الأمور التي تحتاج إلى مشاورة، ويُطلب فيها وجه المصلحة، فأما أمر قد تعينت مصلحته، وظهر وجوبه فقال فيه: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: من الآية159] ،.