وهذه قاعدة نافعة، فإن أكثر الناس إنما يتبادر لهم من لفظ الدعاء والدعوة: دعاء المسألة فقط، ولا يظنون دخول جميع العبادات في الدعاء.
ويدل على عموم ذلك: قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: من الآية60] ،
أي أستجب طلبكم، وأتقبل عملكم ثم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} ، [غافر: من الآية60] ، فسمى ذلك عبادة، وذلك لأن الداعي دعاء المسألة يطلب مسئوله بلسان المقال، والعابد يطلب من ربه القبول والثواب، ومغفرة ذنوبه بلسان الحال.
فلو سألت أي عابد مؤمن: ما قصدك بصلاتك وصيامك وحجك وأدائك لحقوق الله وحق الخلق؟ لكان قلب المؤمن ناطقاً ـ قبل أن يجيبك لسانه -: بأن قصدي من ذلك رضى ربي ونيل ثوابه والسلامة من عقابه، ولهذا كانت النية شرطاً لصحة الأعمال وقبولها، وإثمارها الثمرة الطيبة في الدنيا والآخرة.
وقال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين} [غافر: من الآية14] ، فوضع كلمة: {الدِّين} ، موضع كلمة {العبادة} ، وهو في القرآن كثير جداً: يدل على أن الدعاء هو لب الدين وروح العبادة.
ومعنى الآية هنا: أخلصوا له إذا طلبتم حوائجكم، وأخلصوا له أعمال البر والطاعة.
وقد يقيد أحياناً بدعاء الطلب، كقوله: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر: 10] ، وأما قوله:
{وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً..} [يونس: من الآية12] ، الآية، فيدخل فيه دعاء الطلب، فإنه لا يزال ملحاً بلسانه، سائلاً دفع ضرورته، ويدخل فيه دعاء العبادة فإن قلبه في هذه الحال يكون راجياً طامعاً، منقطعاً عن غير الله،