المقدم: لقد تكفل الله برعاية اليتيم، لكن أحيانا يتسلط بعض الأولياء على هذه الأموال، فما نصيحتكم لهؤلاء الأولياء على الأيتام؟ وما هو الوقت المناسب لدفع هذه الأموال إلى أصحابها؟ الشيخ: يقول الله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ} [البقرة:220]، أي: جواباً لهم، {إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة:220]، وكلمة (إصلاح) يقصد بها ثلاثة شئون: إصلاح مالي، ونجعله في الأخير، وإصلاح اجتماعي، وإصلاح إنساني.
الإصلاح الإنساني يكون بملاطفته ومراعاة شعوره؛ لأنه قد حرم من يرعاه أصلاً وهو أبوه، أما الإصلاح الاجتماعي فيكون بإيوائه، وأما الإصلاح المالي فاتقاء الله جل وعلا في ماله، والله جل وعلا حذر الأوصياء والأولياء المعنيين بأموال اليتامى من ذلك، فقال الله في سورة مكية -أي: من أوائل ما أنزل-: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام:152]، وهذه الفقرة من الآية جاءت منصوصة في الأنعام والإسراء.
وقال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعَيرًا} [النساء:10]، الدنيا تأسر صاحبها، فمن نظر إليها على أنها باقية ألهته عن الآخرة، وجعلته ينكب عليها وينسى أنه سيسأل، وقد مر معنا في اللقاء الماضي أن الإنسان إذا مات يخسر ماله كله، وفي نفس الوقت يسأل يوم القيامة عن ماله كله، وهو بمجرد مفارقة روحه لجسده يخسر المال، لكنه يوم القيامة يسأل عن ماله كله.
أما متى يعطى اليتيم ماله فإن الله قال: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6]، أي: اختبروهم: {حتى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء:6]، ويقصد به القوة البدنية: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء:6]، أي: القوة العقلية، فالرشد حسن التصرف في المال، وخروج الإنسان عن أن يكون سفيهاً، فهذا مناط تحقيق إعطاء المال له.
ثم قال الله بعدها: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6]، وأمر بعد بالشهادة وتقوى الله، وحذر من أن الله جل وعلا على كل شيء حسيب.
المقصود من هذا أن كل من أوكل الله جل وعلا إليه حقاً لأحد يتيماً أو غير يتيم، فليتق الله في هذا المال، ولئن كنا نقدر أحياناً على أن نخدع من يراقبنا، أو أن نخدع القضاة، أو أن نخدع غيرهم ممن أعطي حكماً علينا، فإنه محال لنا ولغيرنا أن نخدع ربنا جل جلاله، والدنيا زهرة حائلة، ونعمة زائلة، ولا بد من الوقوف بين يدي الله جل وعلا، الذي لا تخفى عليه خافية، والسر عنده علانية.
فتقوى الله في كل شيء أمر مطلوب، وتقوى الله في مال اليتامى أمر منصوص عليه شرعاً، أخبر الله جل وعلا عنه: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء:6]، ثم قال: {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء:2].