الملقي: ما هي النظرة الشمولية من أجل حصول الإنصاف؟ الشيخ: النظرة الشمولية مهمة في سائر الأشياء التي نريد أن نصل إليها ونبتغيها، ومن أهمها الإنصاف، الإنسان إذا كان نظرته نظرة متكاملة كان حكمه على الأشياء منصفاً؛ لأنه لا ينظر إلى جزئية فقط، لأن من يريد عيباً سيجد، ومن يريد حسناً سيجد، فإذا أراد أن يمدح أغمض عينيه عن المعايب، وإذا أراد أن يذم أغمض عينيه عن المحاسن.
لكن الصواب أن يلتفت إلى الأشياء وينظر إليها نظرة كاملة، قال ابن رجب رحمه الله: يأبى الله العصمة إلا لكتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه.
ومالك يقول: ما منا إلا راد ومردود عليه.
فمثلاً: تعامل الرجل مع زوجته، فهي ليست حاملة لكل المواصفات التي يبتغيها الرجل، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لكذا ولكذا ولكذا، ثم قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، يعني: التي تجمع الصفات الأربع من النساء قليل، لكن المقصود قال عليه الصلاة والسلام: في حديث آخر حتى يوازن الكفة: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقاً رضي منها آخر)، فقد تكون المرأة ليست على حظ من الجمال، لكنه لا يمنع أن يكون هناك حظ من دين، هناك حظ من رأفة بزوجها، هناك حظ من حنان، هناك حظ من قدرة على رعاية أبنائها، وقد تكون فيها حظ من جمال، في حظ من منظر آخر، النظرة الشمولية هي التي تخفف ما يجده الرجل أحياناً من عناء، فتكون هذه النظرة الشمولية دافعة للإنصاف.
بالطبع كما تحتاج المرأة إلى أن ينصفها زوجها، يحتاج الزوج إلى تنصفه زوجه، فإذا وجدت في زوجها خلقاً معيباً، ينبغي أن تنظر إليه نظرة شاملة ثم تقيس المحاسن على المساوئ، وإيجابياته على سلبياته، ثم تستطيع بعد ذلك أن تنصفه وتحكم عليه حكماً مميزاً.
فالنظرة الشمولية للأشياء هي التي جعلت الكثير من الناس يسير في طريقه، لكن أصحاب النظرات الجزئية الذين يقفون عند كل فقرة، ولا يقبلون أن يقيلوا أي عثرة، هؤلاء لا يمكن أن ينصفوا، حتى العرب لما ذكرت الأصحاب وذكرت الخلطاء بينت أن الصديق لا يمكن أن يصفو على كل حال، ولا الأخ ولا الوالد ولا الولد ولا الزوجة، لابد من التفاوت، لابد من التباين، لا بد من الاختلاف.
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه فعش واحداً أوصل أخاك فإنه مقارف ذنب مرة ومجانبه فتارة مصيب وتارة مخطئ، لكن يجب أن تكون لدينا نظرة شمولية في الأشياء من حولنا.