المقدم: [الحديث الثالث قوله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله).
لعلكم يا شيخ تبينون هذه الأصناف السبعة بحديث إيماني نبين فيه أفضلية كل صنف من هذه الأصناف].
الشيخ: قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).
فكلما عظم الموئل والمنزل والدرجة والمكانة والعطية عظم الطريق إليها، والناس يخرجون يوم القيامة تدنو منهم الشمس، فهم أحوج ما يكونون إلى الظل، والظل هنا نسب إلى الله وأضيف إلى الله تشريفاً، وإلا فهو ظل العرش، كما يقال: بيت الله، فهو إضافة تشريف.
(يوم لا ظل إلا ظله) يعني: يوم لا ظل هناك إلا ظل العرش، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سبعة، ولما كان الإمام العادل عظيم النفع، جليل الأثر على الناس قدم على غيره، باعتبار أن نفعه متعد، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم الإمام العادل وهو نادر قليل في الأمم، وألحق به العلماء كل من ولي ولاية خاصة كالقضاة والأمراء.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وشاب نشأ في طاعة الله)، وفي الحديث الآخر (يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة)، فإذا وجد شاب في زمن غلبت فيه الفتن، وظهرت فيه المحن، وكثر فيه الطاعنون في الدين أو النازحون إلى الشهوات، ومع ذلك بقي معتصماً بالله متمسكاً بهدي كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهذا إن خلصت نيته وصلحت سريرته من الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه.
إن المساجد بيوت الله، وقد أمر الله جل وعلا أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فمن تعود وأحب الصلاة فيها، وسابق إليها بالصف الأول غدواً ورواحاً، وكان أول من يقدم وآخر من يخرج في الغالب، ويفرح لمقامه فيها فهذا من السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه.
والناس تجمعهم المصالح، فيختلفون عليها ويفترقون عليها، لكن لله جل وعلا عباداً يجتمعون على محبته، ويفترقون إذا افترقوا وقد أحب كل منهم الآخر في ربه، فهؤلاء من السبعة.
والرجل إذا دعته امرأة ذات منصب وجمال، فهي بمنصبها تحميه، وبجمالها تغريه، لكن خوفه من الله منعه من أن يقع في هذه الفاحشة التي هي مما زين للناس.
والسادس: رجل تصدق بصدقة فأخفاها، فلو قدر أن شماله إنسان حي يرى ويبصر لخفي عليه صنيعه ذلك؛ لأنه يتعامل مع ربه، ويعلم أن صنيعه يدونه الملكان، ويحصيه الرقيبان.
ورجل خلا بنفسه فذكر عظمة الله جل جلاله، وما لله جل وعلا من صفات الجبروت، وما لله جل وعلا من عظمة الملكوت، وما لله جل وعلا من نعوت الجلال، وصفات الكمال، ففاضت عيناه شوقاً إلى الله على حال، أو فرقاً من الله على حال أخرى، أو بهما معاً.
فهؤلاء السبعة حق لهم أن ينالوا المنصب العالي والعطاء الأعظم، قال صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله)، جعلني الله وإياك منهم.