المقدم: قال تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة:108] وفي نهايتها: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:108] هل هناك مناسبة بين أول الآية وآخرها؟ الشيخ: هذا نزل في وصف أهل قباء من الأنصار رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، لأن بني عمرو بن عوف من الأنصار، وكان ثمة منافقون صنعوا مسجداً آخر غير بعيد عن هذا، وهو مسجد الضرار، فأظهروا شيئاً وأردوا شيئاً آخر، لكن ما أضمروه لا يخفى على علام الغيوب، إذ قال الله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة:107 - 108] أي: مسجد الضرار، ثم قال: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} [التوبة:108] والأشهر هذا، {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة:108]، ثم ذكر قرينة على أن الإنسان يتوخى المساجد المعمورة بالعباد الصالحين، المعمورة بالركع السجود، خاصة إذا كانت قديمة، وهذا ذكره الحافظ ابن كثير رحمة الله عليه في تفسيره.
قالوا: والقرينة قول الله جل وعلا: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:108]، كان حب الطهارة فيهم جبلة، فكانوا يقضون حوائجهم ثم يغسلون بالماء ويستجمرون بالحجارة، فكان الأمر فيهم جبلة، والطهور شطر الإيمان كما قال صلوات الله وسلامه عليه.