الملقي: ما الحكمة من ورود الآيات المتشابهات، وكيفية التعامل مع هذه الآيات؟ الشيخ: الحكمة منها أولاً: لو كان القرآن كله محكماً لصار حال الناس في التسليم واحداً؛ لكن المتشابه يقصد منه في المقام الأول أن المؤمن يؤمن به فيعلن بذلك استسلامه لربه تبارك وتعالى وخضوع قلبه لخالقه، قال الله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7]، أي: المحكم والمتشابه، فأول حكمة من إيجاد المتشابه أن تخضع القلوب لعلام الغيوب جل جلاله.
الأمر الثاني: الله جل وعلا كرم الإنسان بالعقل، والعقل إذا لم يعمل مات، فعندما يكون في القرآن متشابه يكون مضماراً تجري في أقدام العلماء فيبحثون في القرآن، والعلماء لا يزالون يستنبطون منه ويأخذون ويقتبسون من سناه، فدراسة المتشابه وكيفية رده للمحكم مجال عظيم لأهل العلم، وهذا المجال العظيم فيه إذكاء لعقولهم، فعندما يكون إذكاء لعقولهم يكون معناه أن الرب جل وعلا كرَّم عقل المؤمن بهذا.
الأمر الثالث: أن القرآن عربي، كلام العرب جاء على ضربين: كلام موجز يفهمه كل أحد، وكلام يحمل كنايات وإشارات وتلويحات لا تدل على المعنى المراد مباشرة، فالقرآن جاء بطريقتهم وأسلوبهم، فجاء بالمحكم وجاء بالمتشابه، فالمحكم يوافق كلامهم الموجز الذي لا يختلف عليه اثنان، والمتشابه يوافق كلامهم الذي يحمل عدة معان؛ فكأن الله جل وعلا يتحداهم بجنس كلامهم، أي أن الله يقول لهم: جئتكم بقرآن يحمل الضربين اللذين تتفوقون فيهما، أي: فأنتم لا تقدرون على مجاراة محكمه ولا على مجاراة متشابهه.
فهو إمعان في التحدي وإمعان في الإعجاز اللغوي.