الملقي: أشرت قبل قليل في أثناء حديثك إلى مسألة النسبية في الحكمة، فهل هذه النسبية ترجع إلى الأفعال، بمعنى أن هذا الفعل قد يكون حكمة، أو ترجع إلى ذوات الأشخاص؟ الشيخ: إن العمل نفسه تتخلله نسبية الحكمة، فالشخص يوصف بأنه حكيم إذا كان أكثر فعله موافقاً للصواب، وينجم عنه ثمرة ويتقي به مفسدة، ولذلك مع التجارب -كما سيأتي- تنطلق الحكمة في كلماته، فقد يقول الإنسان قولاً ينتفع به الناس ولا ينتفع به هو، فهو حكيم في قوله غير حكيم في فعله، لكن المهم أن يكون للعمل ثمرة، فهذا الذي يدل على الحكمة إما يتقى بها شر وإما يجلب بها خير.
وهناك نقطة أساسية أننا لم نأت لنقول للناس: إن الحكمة واحد + اثنين =ثلاثة، ويشربونها كالماء، فإن هذا محال أن ينقلب الناس حكماء من لقاء تلفازي، لكننا نتكلم عن كيفية بناء العقل البشري ثقافياً مع الأيام ومع ما ذكرناه، ومع طرائق أخر يجمعها الإنسان لنفسه؛ ليصل بعد ذلك قدر الإمكان إلى منزلة الحكماء.
الملقي: فيما يتعلق بالتأصيل، فإن الآيات كثيرة التي ذكرت الحكمة في كتاب الله عز وجل، ومن معانيها التي فسرها المفسرون على أنها السنة النبوية، فهل يفهم من ذلك أن الارتباط وثيق بين هذين المصدرين من مصادر الإسلام؟ الشيخ: نعم، الكتاب والسنة مهيمنان على كل شيء، قال عليه الصلاة والسلام: (تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً) فكتاب الله وسنه النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم المصادر، وهناك قضية أساسية فسرت بها الحكمة وهي قضية التوحيد؛ لأن الله جل وعلا قال: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} [الإسراء:39]، قال المراغي رحمة الله عليه في تفسيره -وهو شيخ الأزهر السابق-: فهذا دليل على أن التوحيد رأس الدين كله، والحكمة رأسها توحيد الله جل وعلا، ولعل في ثنايا الحديث ما يأتي فيه التفصيل.