يجعلنا نقارن الوضع في حالتين مرت بها الدول الإسلامية على ضفتين قريبتين من التاريخ، قبيل الحرب العالمية الثانية، وهي في نير الاستعمار، وبعد تلك الحرب، وهي متحررة سياسياً في أغلبها، دون أن نقف بالتأمل عند حقيقة هذا التحرر، الذي لم يحكم تلك الدول حتى من غيلة دويلة إسرائيل، بينما يكشف لنا هذا السير أو التطور، منذ ربع قرن على أن المجتمع الإسلامي ضيع فيه، بين ضفتي التاريخ المشار إليها، أثمن ما عنده كزاد طريق، نعني الشعور بوحدة المصير، وضرورة الحل الواحد الذي لا تجزئ عنه بعثية، ولا بربرية، ولا نزعة إفريقية، ولا شيوعية مصطنعة، ولا خرافات ألف ليلة وليلة.
واليوم، تعترض العالم الإسلامي هذه المشكلة في صورة متحارجة، شكسبيرية: هل نكون أو لا نكون (?)؟ بينما تميل عقارب الساعة إلى الاحتمال الثاني، منذ أتت أحداث يونيو 1967م معبرةً بلغتها القاسية على عبث تلك التشييدات السياسية والعسكرية التي تستند على ظاهرة الشيئية، نعني تكديس تلك الأشياء التي جمعت في عشرين سنة من أجل الدفاع عن النفس، والتي ذابت في أول ساعة عند هجوم إسرائيل، وليس بمجدٍ، لمواجهة الدويلة الصهيونية، أن نكدس من جديد، ذخيرةً وزاداً وعتاداً، ليس بمجدٍ تجديد الأشياء، بل تجديد الأفكار، ولكن تجديدها بصورة جذرية، بحيث تعوض تلك التي تؤدي إلى الهزيمة الهائلة وإلى الفضيحة الشنعاء، لأنها تفقد الروح التي ترفع الإنسان إلى مستوى مهماته، بالأفكار الحية، المحيية التي تعطي الإنسان تلك الدفعة الجبارة التي ترفعه إلى قمة واجباته أمام الأحداث الكبرى (?).