فهذا الاطراد هو في الواقع اطراد للشعور الأساسي نحو الـ (أنا) ونحو الآخرين، الشعور الذي وضعت بذوره في الضمير الإسلامي في صورة تقويم جديد للإنسان كما بيَّنا.
فالطفل الذي لا زال في ثدي أمه، ليس في نظر عمر، سوى الرجل المحرد أو (المواطن) المتوقع، فالخليفة لا يرى فيه مجرد إنسانيته أو مجرد حضور المجتمع في شخصه، بل يرى فيه أكثر من ذلك، يرى فيه حضور القيمة التي لا تقدر، والتي وضعها الله في جوهره قبل أن يولد في هذا العالم، وقدرها عزّ وجلّ يوم كرم آدم.
يجب أن نعترف، بأن الشيء الذي يمكن التعبير عنه، بمصطلح اليوم بالروح الديمقراطي الإسلامي، إنما يحمل في جوهره سمة القداسة، والتاريخ قد يبين تأثير المبادئ عندما يضفى عليها شيء من القداسة.
ولقد لاحظ القارئ لا شك، أن الأمثال التي أوردناها هنا قد انتقيناها من الفترة التاريخية التي بيَّنا حدودها الزمنية بين الهجرة وصفين.
وربما تساءلنا عما حدث بعد صفين؟ وهل التفاصيل التي قدمناها ترتبط بصورة ما بواقع المسلمين اليوم؟
فهذان السؤالان ليسا في نطاق هذا الحديث، الذي يقتصر فقط على وصف الطابع الخاص بالعهد الديمقراطي الإسلامي، أي بالفترة التي تنتهي مع الخلفاء الراشدين، مع واقعة صفين، التي تمثل نقطة التحول في تاريخ العالم الإسلامي، والفاصل الذي منع المشروع الديمقراطي الإسلامي من أن يواصل سيره في التاريخ.
ولكن هذا التحول لم يمح آثار هذا المشروع في النظام الإسلامي، لقد دامت