القضايا الكبري (صفحة 207)

فنحن قد تعوَّدنا الدقة البالغة التي يمتاز بها (النمل) أثناءَ قيامه بعمله، عند أداء كل (نملة) لعملها الخاص على حدة؛ إلا أن (النمل) يبدو لنا أحياناً عندما يتشكل في مجموعة أنه قد ضلَّ سبيله حتى لكأن غريزته تعوزه في هذا الحين بالذات، حيث نراه على سبيل المثال منهمكاً حول فريسة يحاول كما هو الشاهد أن يسحبها إلى مسكنه، ولكن بما أن كل (نملة) تمضي في سحب الفريسة إليها، فإن الذي يحدث فعلاً هو أن الفريسة تظل باقية في مكانها لا تَريم.

وإذن فالعمل المشترك يستلزم بالضرورة: تنظيم وتنسيق جميع المعطيات، وخاصة جميع الأفكار التي تنهض بالنشاطات الفردية.

وهذا هو السبب الذي يجعلنا نرى اليوم في الميدان الديني على سبيل المثال: انعقاد مجمع في (روما) يتمثل موضوعه في تنظيم (النشاط المسيحي) بطريقة لا تؤدِّي (بنشاط صالح بروتستانتي)، و (نشاط صالح كاثوليي) إلى أن يُلْغِيا بعضَهما البعض.

والواقع أن هذا الموقف المتخذ من طرف الفاتيكان ( Vatican) للبحث عن مفهومية مسيحية، يعني تطوراً مزدوجاً؛ تطور الوضعية الدولية التي تنتقل من طور التسلح الذريِّ، إلى طور التسلح المفاهيمي؛ وتطور المسيحية نفسها، التي أصبحت تجابه تحدِّياً جديداً في عالم ينتقل من (الاستعمار) إلى (تصفية الاستعمار)؛ فالنشاط المسيحي إذا تعذَّر عليه الاستناد من هنا فصاعداً إلى الحجج العسكرية أو التأييدات الإدارية في عالم يتمُّ فيه (نزع الأسلحة النوويَّة) و (تصفية الاستعمار)، يتعين عليه لا محالة أن يبحث عن وسائله الجديدة ... وهذا هو المشكل الذي يوضع حالياً (بالفاتيكان)؛ فالمجمع المنعقد (بروما) مدعوٌّ حسب كل احتمال لإيجاد وسائله الجديدة ضمن مفهومية ملائمة للطور الجديد من النشاط المسيحيِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015