ومنذئذ يصبح في الإمكان أن نحدد الثقافة باعتبارها نتاجاً للبيئة. فنحن مدعوون إلى صياغة هذا التعريف في الحدود التي نلاحظ ضمنها في البلدان النامية، أن الثقافة باعتبارها مصدراً لوجوه السلوك، ليست مقصورة على صنف اجتماعي معيّن، ولكنها جميع الطبقات الاجتماعية.
فالبيئة تُعدّ إذن بمثابة الرَّحِم بالنسبة إلى القيم الثقافية. الأمر الذي يمكننا ضمن تعريف إجمالي أوَّليّ، من أن نعتبر الثقافة نفسها كبيئة مكونة من الألوان، والأصوات، والأشكال، والحركات، والأشياء المأنوسة، والمناظر، والصور، والأفكار المتفشيّة في كل اتجاه (?).
فهي بيئة تمارس مفعولها على الراعي وعلى العالم سواء. وهي الوسط الذي يتشكل داخله الكيان النفسي للفرد، بالصورة نفسها التي يتم بها تشكل كيانه العضوي داخل المجال الجويّ الحيويّ الذي ينتظمه.
فنحن لا نتلقى الثقافة، وإنما نتنفسها ونتمثلها بالطريقة نفسها التي يتم بمقتضاها تنفسنا وتمثّلنا لأكسجين الهواء.